كنوز نت - بقلم: سليم السعدي


نتنياهو والمسيح المحارب: قراءة بين النبوءة والواقع

بقلم: سليم السعدي

منذ آلاف السنين، رسمت النصوص الدينية اليهودية في التلمود والميدراش ملامح شخصية تُعرف بـ"المسيح المحارب" أو "مشيح بن يوسف"، الذي يأتي قبل "المسيح الحقيقي" (مشيح بن داود). هذا "المسيح المحارب" ليس مخلّصًا روحانيًا، بل قائدًا عسكريًا يسعى لإقامة مُلك إسرائيل على الأرض عبر التوسع والحروب، ممهّدًا الطريق للخلاص النهائي.

وفي المقابل، قدّم المسيح عيسى ابن مريم – عليه السلام – في الأناجيل موقفًا حاسمًا ضد اليهود الذين رفضوا رسالته، ووبّخهم واصفًا إياهم بـ"أولاد الأفاعي" و"أبناء إبليس". عيسى عليه السلام رفض فكرة الخلاص عبر السيف والدم، مؤكّدًا أن "ملكوته ليس من هذا العالم"، ليكشف التناقض الجذري بين رسالة السلام الإلهية وبين المشروع القومي اليهودي المبني على الهيمنة الأرضية.


اليوم، يعيد المشهد نفسه إنتاجه في واقعنا السياسي. فالصهيونية الحديثة، بخطابها الديني القومي، لم تتردد في توظيف هذه الرؤية التلمودية لإضفاء "شرعية دينية" على حروبها. بن غوريون نفسه اعتبر أن قيام إسرائيل هو خطوة نحو مجيء المسيح. ومع تصاعد الخطاب الديني القومي، بدأ بعض الحاخامات ينظرون إلى قادة إسرائيل على أنهم "ملوك إسرائيل" الموعودون، أدوات إلهية لتهيئة الخلاص.

في هذا السياق يبرز بنيامين نتنياهو. فهو ليس مجرد رئيس وزراء عادي، بل يُقدَّم في بعض الأوساط اليهودية بوصفه "ملك إسرائيل" الذي لا يوقف الحروب، بل يسعى لتوسيعها. مشروعه يقوم على فكرة "إسرائيل الكبرى" واعتبار كل حروبه دفاعًا عن هوية توراتية ونبوءة مقدسة. وبذلك يجسّد، في الوعي اليهودي القومي، صورة "المسيح المحارب" الذي يهيئ الظروف لمجيء "المسيح الحقيقي" في مخيالهم.

لكن من منظور إيماني مسيحي وإسلامي، فإن هذه القراءة ليست سوى وهم سياسي وديني. نتنياهو ليس مخلّصًا ولا مسيحًا، بل مجرد أداة استعمارية في مشروع يهدف للسيطرة على المنطقة وتدمير شعوبها. إنه "المسيح الكاذب" الذي تحدثت عنه النبوءات، صورة مشوّهة لمشروع يقوم على الدم والاحتلال.

إن ما نراه اليوم ليس سوى محاولة صهيونية لتوظيف الدين لخدمة الاستعمار. فالمسيح المحارب الذي يقدسونه ليس إلا حاكمًا متغطرسًا يسعى لإشعال الحروب، بينما المسيح الحقيقي – عيسى ابن مريم – كان وسيبقى رسول السلام والحق، الذي كشف زيفهم منذ ألفي عام.

ولعل التاريخ يعيد نفسه: فكل مسيح محارب يرفع راية الدم لا بد أن ينهزم، لتبقى كلمة الحق وحدها العليا.