كنوز نت -  بقلم : سليم السعدي


اتفاق غزة… بداية صراع جديد على هوية الأرض والدولة

 بقلم : سليم السعدي
من يراقب المشهد السياسي في فلسطين بعد اتفاق غزة واجتماعات شرم الشيخ يدرك أن هناك عاصفة تقترب. فالتصريحات المتكررة من أركان الحكومة الإسرائيلية، وعلى رأسهم وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، تكشف بوضوح عن نية مبيّتة لفرض سيادة إسرائيلية كاملة على الضفة الغربية، مع إضعاف السلطة الفلسطينية حتى درجة الشلل الإداري والسياسي.

لكن السؤال الجوهري هو: هل ما يلوّح به سموتريتش قابل للتنفيذ، أم أنه ورقة ضغط لتنازل فلسطيني جديد؟

الواقع يشير إلى مزيج من الاثنين. فحكومة الاحتلال لا تجرؤ بعد على إعلان ضمّ رسمي خشية ردود الفعل الدولية، لكنها في الوقت ذاته تمارس الضمّ فعليًا على الأرض، بخطوات محسوبة ومتدرجة:
توسيع المستوطنات، وتهويد المناطق المصنفة (ج)، وعرقلة صلاحيات السلطة في مجالات الأمن والاقتصاد، وإعادة تصنيف الأراضي بما يخدم المشروع الاستيطاني.


هذه السياسات تشكّل عمليًا ضمًا زاحفًا، يترافق مع حرب هوية في الداخل المحتل عام 1948، حيث تسعى الحكومة اليمينية لتغيير البنية الديموغرافية والقانونية للمجتمع الفلسطيني عبر التشريعات والتمييز الممنهج.

أما على الصعيد الدولي، فإن تصريحات سموتريتش تحمل أيضًا رسالة ابتزاز: "إما أن توقفوا دعاويكم في محكمة الجنايات الدولية، أو سنمضي نحو خطوات أحادية تطيح بكل ما تبقى من اتفاق أوسلو". إنها لغة القوة والتهديد، لا لغة السياسة ولا القانون.

لكن في المقابل، ثمّة وعي فلسطيني وإقليمي متنامٍ بأن ما يجري ليس مجرد تناقضات داخلية إسرائيلية، بل مشروع متكامل لإعادة رسم خريطة السيطرة في المنطقة، بدعم من أطراف خارجية ترى في إضعاف السلطة الفلسطينية وسيلة لتطويع الشارع الفلسطيني قبل أي تسوية قادمة.

لقد دخلنا مرحلة حساسة، عنوانها الحقيقي "الصراع على الوجود"، لا على الحدود. وما بعد اتفاق غزة ليس تهدئة، بل إعادة تموضع إسرائيلي واستعداد لجولة جديدة من فرض الأمر الواقع.

من هنا، فإن الردّ الفلسطيني المطلوب يجب أن يكون بحجم الخطر:
توحيد الصف الوطني، تفعيل أدوات القانون الدولي، ورفع الصوت السياسي والإعلامي لكشف طبيعة هذا المشروع أمام العالم.

فمن يملك الحقيقة لا يحتاج للسلاح ليحارب الكذب، بل يحتاج إلى وعي وإرادة وموقف لا يُشترى.
وهذا الموقف هو ما سيحفظ الهوية، ويصون الحلم الفلسطيني من أن يُختزل إلى ورقة تفاوض في يد المتطرفين.