
كنوز نت - بقلم: رانية مرجية
مقام العذراء في صعودها الأبدي
بقلم: رانية مرجية
يا مريم،
يا جَذوةَ الحلمِ الأزلي،
يا أيقونةً تعبرُ الأجيالَ كالبخور،
يا حقلَ طهارةٍ لم يَدنُ منهُ الذبول،
ها أنتِ ترتقينَ،
كمن يعودُ إلى رحمِ النور،
كمن يذوبُ في فيضِ السرّ،
فتغدو الأرضُ أثرًا،
والسماءُ بيتًا أبديًا.
لم يكن انتقالُكِ موتًا،
بل كان انكشافًا…
كان انفتاحَ بابٍ ظلَّ مغلقًا على القلوب،
وكان النداءَ الذي طالما انتظرناهُ:
أنْ لا خوفَ من الظلمة،
فالنورُ أسبق،
وأنّ الجسدَ حين يمتلئُ بالحبّ،
يتحوّلُ إلى معراج.
ارتقيتِ،
فتزلزلتْ قبابُ الزمان،
وتشققَتْ جدرانُ الفناء،
وانحنتِ الجبالُ بخشوعٍ،
كما تنحني القلوبُ أمام صلاةٍ نقيّة،
وتحوّلَ حضورُكِ إلى نهرٍ لا ينقطع،
تغتسلُ فيه الأرواحُ العطشى.
يا زهرةً سماوية،
يا مرفأَ الحائرين،
يا جسرًا بين الناسوتِ واللاهوت،
كنتِ البوابةَ التي عبرَ منها الخلودُ إلى البشر،
وها أنتِ الآن،
البوابةُ التي نعبرُ منها نحن
إلى الأبدية.
مريم…
أيّتها الأمّ الحانية،
لم يغِبْ طيفُكِ عنّا،
بل صار وشمًا في ذاكرةِ الكون،
وصوتًا يُنادينا من الأعالي:
“لا تنحنوا أمامَ غبارِ الأرض،
فأنتم أبناءُ النور،
ومقامُكم أرفعُ من القبور.”
أيتها العذراء،
في صعودكِ،
تحوّلتِ من جسدٍ محدود،
إلى أيقونةٍ لا يطالها زوال،
ومن امرأةٍ تصمتُ بخشوع،
إلى سرٍّ يصدحُ في قلوبنا
كما تصدحُ الأناشيدُ في الفجر.
ها نحن،
نستظلُّ بكِ في زمنِ الانكسار،
نستمدُّ منكِ عزاءً في موتانا،
ونُصغي إلى خُطاكِ في سمائنا،
فنؤمنُ أنَّ الحبَّ لا يُدفن،
وأنَّ الروحَ إذا امتلأتْ باليقين،
لا يعرفُها سقوطٌ.
يا مريم…
انتقلتِ إلى السماء،
لكنّكِ تركتِ فينا بذرةً،
كلما سقيناها بالدمعِ،
أزهرتْ رجاءً،
وكلما سقيناها بالصلاة،
أزهرتْ نورًا،
حتى صرنا نحن،
أبناءَكِ العابرينَ على خطاكِ،
نحو فجرٍ لا يزول.
18/08/2025 08:49 pm 29