
كنوز نت - بقلم : سيمون عيلوطي
قصة أغنية "مربي الدَّلال" لزياد الرَّحباني(1)
- بقلم : سيمون عيلوطي
زياد الرَّحباني: يعتبر من أكثر الموسيقيَّين العرب الذين استفادوا من تجاربهم الحياتيَّة، وتمكَّنوا من صياغتها في أعمالهم الموسيقيَّة والغنائيَّة، وقد ضمَّنها قصصه الواقعيَّة التي عاشها عبر مشوراه مع الفنِّ والحياة. استوقفني منها ثلاث أغنيات، سأتناولُ تباعًا أهم تفاصيل قصصها، ليس بسبب أبعادها الإنسانيَّة التي تحتويها فحسب، وإنَّما لأنَّه استطاع أيضًا أن يرفعها إلى مستوى فنَّ الغناء الرَّاقي، وقد وزَّعها على ثلاثة أنماط غنائيَّة:
(1) الغناء السَّاخر، أغنية: "مربى الدَّلال"، (2) الواقعي، أغنية: "صبحي الجيز"، (3) الغناء الحديث، أغنية: "كيفك أنتَ"، غناء والدته، السيّدة فيروز.
سأقفُ أوًّلًا عند أغنية "مربي الدَّلال"، وبحسب "موقع إضاءات" فإنَّ "مربي الدَّلال"، هي عبارة عن أغنية "يسخر فيها من طليقته دلال كرم، ومن والدها الطامع في تزويجها من المحامي الذي سيدفع أكثر. وقد جرى ذلك في نفس الوقت الذي يُقلِّل فيه من شأن زياد لأنَّه يتقدَّم لخطبة فتاة وهو ﻻ يملك من رأس المال سوى حبّه.
زياد أختار صديقه المطرب جوزيف صقر لكي يغنَّي "مربى الدَّلال"، وذلك اعتبارًا لتمكُّنِه من الغناء التهكُّمي-الفكاهي الذي تحتاجه هذه الأغنية السَّاخرة.
زياد الرَّحباني وروح المغامرة في التَّجديد:
لا يستطيع المرء إلَّا أن يُعجب بتجربة الفنَّان الكبير زياد الرَّحباني الذي شقَّ طريقه الفنّي بخطوات بطيئة نسبيًا، ولكنَّها ثابتة، واثقة من سيرها نحو الوصول إلى نفسه هو، بعيدًا عن تأثير المدرسة الرحبانيَّة التي ترعرع واشتدَّ عوده في رحابها، ليشكّل بصمته الخَّاصة به، كما هو مطلوب في مجال التَّأليف الموسيقي والغنائيّ على حد سواء.
لم يكن سهلًا عليه أن يُقنع النَّاس من حوله بالتَّجديد الموسيقيّ الذي يبدعه، ويغامر في عرضه على الجُّمهور بين الحين والآخر. حتَّى والدته المطربة فيروز رغم أنَّها غنَّت من ألحانه عدة أغنيات، منها:
"سألوني الناس"، "عَ هدير البوسطة"، "حبّتيك تَ نْسيت النوم"، "تذكَّرتك يا عليا"، إلَّا أنها كانت لها تحفُّظات كثيرة على أغنية "كيفك إنتَ" التي خرج فيها زياد تمامًا من معطفيِّ والده، عاصي، وعمِّه، منصور، فكانت "كيفك إنتَ" نقطة الارتكاز نحو انطلاقه الإبداعي في عالمه الفنيِّ الرَّحب -الجديد.
أقول: رغم تعاون فيروز مع نجلها زياد في عدَّة أعمال غنائيَّة ناجحة، غير إنَّها تردَّدت كثيرًا قبل أن تغنّي "كيفك أنت" باعتبارها تجربة غنائيَّة جديدة من حيث اللحن والكلمات. "كيفك أنت" شكَّلت بشكل بارز نقطة انطلاق زياد، وخروجه نهائيًا من المدرسة الرَّحبانيَّة الكبيرة، ليضع هو بنفسه لمساته وبصمته الخاصَّة به على أعماله الغنائيَّة والموسيقيَّة، وبشكل يُحاكي الواقع، بحلوه، ومرّه، اسمعه مثلًا عندما يغني: "أنا مش كافر/ بس الجوع كافر"، أو "يا زمان الطائفيَّة"، أو "ع النِّظام"، أو مسرحيَّة: "فيلم أمريكي طويل"، أو "اسمع يا رضا/ كل شي عم يغلا ويزيد/ مبارح كنَّا عالحديدة/ وهلئ صرنا عالحديد"، أو أغنية: صبحي الجِّيز، وغيرها من الأعمال التي تخاطب الواقع الاجتماعيّ، السّياسيّ، والاقتصاديّ في لبنان كما هو قائم في الواقع المعاش، وليس بالنَّظر إليه من خلال رؤيا رومانسيَّة تقدّم لبنان الحلم، المُتَصَوَّر، الأخضر، الجميل بحيث لا يُحاكي الواقع الملموس بأيِّ حال، مثلما فعل والده عاضي، وعمَّه منصور في معظم أعمالهما الغنائيَّة والمسرحيَّة، فقدَّما لبنان الحلم، وليس لبنان الواقع، المُنقسم طائفيًا، المنهار اقتصاديًا، والرَّازِح تَحتَ وَطْأَةِ الفوضَة العارِمَة، حيث لا ضمانات اجتماعيَّة-مدنيَّة تكفل حق المواطن في المأكل، والمشرب، والعمل، والمسكن، والتّعليم، والخدمات الطبيَّة، إلخ...إلخ...
أعمال زياد لامست بشفافيًّة فنيَّة معاناة الإنسان في لبنان الثَّائر على واقعه المُر، وذلك من خلال رؤية حضاريَّة، تقدُّميَّة، فنيَّة شكَّلت انقلابًا على حركة الغناء اللبنانيَّة، والعربيَّة، وحاكت بأصالة مدرسة سيِّد دويش الرَّائدة. وقد قابله في هذا المجال في مصر أيضًا، العظيم، بليغ حمدي. نلاحظ تأثُّر زياد في الغناء المصريِّ، وانعكاسه على بعض أعماله الموسيقيَّة، والغنائيَّة، وقد أعرب في مقالبة تلفزيونيَّة مع منى الشَّاذلي، عن اعجابه بسيِّد درويش، وبشيخ الملحِّنين، زكريَّا أحمد.
بالعودة إلى قصة "مربى الدَّلال": فقد جاء في موقع "إضاءات": "يَتَّضِح أنَّه في العام 1975، شاهد زياد الرَّحباني "دﻻل كرم" لأول مرة أثناء بروفات مسرحيَّة السيِّدة فيروز "ميس الرّيم"، وقت ما كانت تعمل في فريق الدَّبكة، وانطلقت شرارة الحب بينهما، ثمَّ الزواج في العام 1979."
كتب زياد هذه الأغنية، "مربى الدَّلال" بعد طلاقه الرَّسميّ من دلال كرم في أوائل التسعينيَّات، وعلى خلفيَّة تصريحات صحفيَّة تتَّهمه بخيانتها، بالإضافة إلى إدمانه الكحوليَّات وهجرانه المتكرّر لها، مفضلًا أن يقضي أغلب أوقاته في الأستوديو الخاص به ومع رفاقه الشيوعيّين".
قرَّر زياد الرَّد على تلك التَّصريحات بأغنية تسخر من دلال مستخدمًا اسمها عنوانًا للأغنية، وشنَّ هجومًا على والدها الطامع في تزويجها من المحامي الذي سيدفع أكثر، وقد جرى ذلك في نفس الوقت الذي يُقلِّل فيه والدها أيضًا من شأن زياد لأنه يتقدَّم لخطبة فتاة وهو ﻻ يملك من رأس المال سوى حبَّه.
زياد، استعان بصديقه المطرب جوزيف صقر الذي غنَّى الأغنية بشكل تعبيريّ فكاهيّ على خلفية ضحكات ساخرة يطلقها زياد نفسه.
الأغنية فيها الكثير من روح زياد السّاخرة التي نلمسها أيضًا في مقالاته التي ينشرها في الصّحف اللبنانيّة، ما يدل على صدقه الفنيّ والإنسانيّ، ومقدرته على التَعبير عن الواقع بأسلوب فنيٍّ بعيد عن المباشرة والخطابيَّة، والشعبيَّة المبتذلة. بل وضع ألحانه في قالب فنيّ راق، نجدها تتغلغل في نفس المتلقي بدون استئذان، محقِّقة التواصل المطلوب بين الفنًّان والجُّمهور.
(يتبع)
رابط أغنية مربى الدَّلال هو:
19/10/2022 09:12 am 1,693