كنوز نت - بقلم: سليم السعدي


الحرب على الهوية

بقلم: سليم السعدي

في ظلّ التحولات السياسية والاجتماعية المتسارعة داخل فلسطين التاريخية، تبرز قضية الهوية الوطنية كأحد أخطر ميادين الصراع مع المشروع الصهيوني، الذي لم يكتفِ باغتصاب الأرض، بل سعى إلى اغتصاب الوعي وتشويه الذاكرة.

منذ تأسيس الكيان الإسرائيلي، اعتمدت مؤسساته التعليمية والإعلامية والثقافية على سياساتٍ ممنهجة لطمس الهوية الفلسطينية، وإعادة تشكيل الانتماء الجمعي وفق الرؤية الصهيونية. فقد جرى تزييف التاريخ، وإقصاء الرواية الفلسطينية من المناهج الدراسية، وتوجيه الفكر العربي في الداخل نحو الاندماج القسري والقبول بالأمر الواقع.

لقد خلقت تلك السياسات أجيالًا جديدة وُلدت بعد النكبة والنكسة، تحمل وعيًا هشًا بالانتماء، وتشهد تراجعًا في الحس القومي. ومع مرور الوقت، تغلغلت الأسْرَلة في المجتمع العربي الفلسطيني، حتى غدت بعض الأصوات في الداخل تتحدث بلسانٍ صهيوني وتدافع عن سردية المحتلّ وكأنها الحقيقة المطلقة.


إن أخطر ما في هذا المشهد أن الهوية باتت مهددة من داخلها؛ فالشباب الذين انخرطوا في مؤسسات حكومية أو حزبية إسرائيلية تحولوا – من حيث لا يشعرون – إلى أدواتٍ في مشروع محو الذات. وإذا دار حوارٌ معهم، وجدتهم يتبنّون خطابًا عدوانيًا تجاه كل ما هو وطني، مستندين إلى حججٍ مكذوبة صاغها المحتل وأعاد تسويقها عبر الأجيال.

هنا يبرز السؤال الوجودي:
أين العروبة؟ وأين الانتماء؟
لقد اختفت الملامح الأصيلة خلف لهجةٍ دخيلة ونكهةٍ غريبة تعبّر عن خيانةٍ للذات قبل خيانة الأرض. هكذا وُلدت هويةٌ هجينة، مشوشة الملامح، تائهة بين الأصالة والتقليد.

وحين يسقط القناع، يرى الفرد وجهه في مرآةٍ غائمة، فيتساءل:
من أنا؟
هل أنا ذلك الفلسطيني المتجذر في تاريخه، أم الصورة التي صنعها المحتل في ذهني؟
وهنا يدرك أنه ضحية حربٍ غير مرئية، حربٍ تستهدف روحه قبل جسده، وتاريخه قبل حاضره.

إن الحرب على الهوية الفلسطينية ليست حرب بنادقٍ وجيوش، بل حرب عقولٍ ووعي. وإذا لم تُواجه هذه المعركة بسلاح الثقافة والمعرفة والانتماء، فإننا نخاطر بأن نصحو يومًا لنجد أبناءنا يتحدثون لغة العدو ويفكرون بعقله، وهم يظنون أنهم أحرار.