
كنوز نت - بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي
صورٌ ومشاهد من غزة بعد إعلان انتهاء العدوان (1) الترقب وحبس الأنفاس
بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي
الصورة الشعبية في قطاع غزة بعد التوقيع على خطة ترامب لوقف العدوان الإسرائيلي عليها، تختلف كلياً عن الصورة التي سادت خلال عامين كاملين من العدوان والقصف والغارات الحربية الكثيفة المتواصلة، التي خلفت ما يزيد عن 250 ألف شهيد وجريحٍ، وأكثر من مليوني نازحٍ ولاجئٍ، نزح أغلبهم من مناطقهم الأصلية، ومن المناطق الجديدة التي لجأوا إليها أكثر من مرةٍ، مما زاد في معاناتهم، وفاقم مأساتهم، وضاعف آلامهم، وعرضهم لمخاطر كبيرة خلال محاولاتهم البحث عن ملاذاتٍ آمنة وملاجئ محمية، إلا أن هذه ولا تلك لم تحمهم من الغارات الإسرائيلية، وعمليات القصف وتفجير الروبوتات المسيرة المفخخة.
ما بعد الحرب المدمرة يختلف كلياً عما قبلها، ولا يشبهها في شيء رغم مشاهد الدمار والخراب على امتداد القطاع، بغض النظر عن بعض الخروقات المتعمدة التي جرت، والتي ستجري حتماً، بالنظر إلى طبيعة العدو الإسرائيلي الخبيث المكار، وطبيعة نتنياهو الكذاب المراوغ، المصر على مواصلة العدوان واستمرار الحرب، واستخدامها في معاركه الداخلية، وتوظيفها لصالحه في معركته الانتخابية التي باتت قريبة، والتي يخشى أن تجرده من مجده الكاذب، ومن انتصاره الزائف، وأن يساق بعدها مداناً إلى المحكمة التي طال مثوله أمامها دون حكمٍ بسبب الحرب، وإرجاءٍ بدعوى المسؤولية والمهام وإدارة الحرب وشؤون البلاد.
جاء الإعلان عن دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، بعد أكثر من 24 ساعة من التوقيع على الوثيقة الدولية، التي رعاها وأشرف عليها الرئيسان الأمريكي دونالد ترامب، والمصري عبد الفتاح السياسي، في مدينة شرم الشيخ الساحلية السياحية بمصر، وحضرها وشارك فيها أكثر من عشرين ملكاً ورئيساً ورؤساء حكومات ووزراء خارجية، وقد حبس الفلسطينيون في قطاع غزة أنفاسهم وهم يتابعون الأخبار المتعلقة بجلسة الحكومة الإسرائيلية، التي أرجئت أكثر من مرةٍ قبل المصادقة على خطة ترامب والموافقة عليها، والإعلان رسمياً عن دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، إلا أن الغارات الحربية، وعمليات القنص والقتل لم تتوقف خلال مدة ألــــ 24 ساعة، التي فصلت بين التوقيع الدولي والالتزام الإسرائيلي.
التزم المواطنون الفلسطينيون في قطاع غزة أماكنهم في العراء وتحت الشمس، وفي الخيام البالية والتخشيبات المتصدعة، وفي بقايا البيوت التي ما زالت بعض جدرانها قائمة، وسقوفها موجودة، واجتمع كثيرٌ منهم أمام بوابات المستشفيات القليلة المتبقية، يتابعون الأخبار، وينتظرون مصادقة حكومة الكيان، والقلق يساورهم من انقلاب العدو وعدم التزامه، إذ أنها طبيعته وجبلته، والخشية لا تفارقهم من تهديدات بن غفير وسموتريتش ونتنياهو ووزير حربه كاتس، الذين يرفضون إيقاف الحرب، ويصرون على مواصلتها، ويدعون جيشهم إلى استخدام القوة المفرطة وأثقل الأسلحة في الغارات على السكان الفلسطينيين.
تصاعدت الخشية الفلسطينية من غدر العدو في الساعات، بل في الدقائق الأخيرة، التي تسبق دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، وتعالت الأصوات بضرورة أخذ الحيطة والحذر، وعدم التسرع والعجلة بالخروج إلى الشوارع، والتظاهر فرحاً بانتهاء الحرب وتوقف العدوان.
ولعل المقاومة الفلسطينية بكل تشكيلاتها، قد امتنعت نتيجةً لخبرتها السابقة وتجاربها الكثيرة، عن الظهور في الشوارع، والحركة العامة بين الناس، حتى يتم التأكد من دخول وقف إطلاق النار حيزه رسمياً، وثبات الهدنة والتزام جيش العدو بها، فهذا العدو لا ينفك يغدر، ولا يزال يجمع المعلومات ويجدد بنك أهدافه حتى اللحظات الأخيرة، وهو غالباً يستفيد من هذه الأجواء في تحديث بياناته، وتجديد معلوماته، انتظاراً لأي فرصةٍ ينكث فيها عهده، وينقض فيها وعده، وينقلب على كل الاتفاقيات والمعاهدات.
لعل هذه هي بعض المشاهد والصور التي سبقت مصادقة حكومة العدو على الخطة، وهي صور اتسمت بالخوف والقلق، والحيطة والحذر، والترقب والخشية، ولكن الصور المشاهد التي تلتها كانت كثيرة وعديدة، لكنها كانت مختلفة ومغايرة، ولافتةً ومميزةً، وهي التي سنسلط الضوء عليها قليلاً في المقالات التالية.
يتبع ......
بيروت في 21/10/2025
21/10/2025 10:40 am 29