كنوز نت - مصطفى معروفي


بشار بن برد
مصطفى معروفي
ـــــــــ
من لم يقرأ بشار بن برد فكأنه لم يقرإ الشعر أو لنقل بأنه فاته من الشعر ما كان ينبغي أن لا يفوته ،لأن شاعرا مطبوعا مثل بشار يعتبر محطة أساسية في الشعر لا يجوز تجاوزها لا من الشعراء ولا حتى من محبي الكلمة الفخمة والتعبير الرصين.
والشاعر بشار هو من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية،ولد أعمى وكانت له قريحة عالية وشعر كثير ،وأنت تقرأه تلمس تلك الإنسيابية وقلة التكلف،وهما من سمة الشاعر الحقيقي الذي يعرف الشعر كما يعرف أبناءه.
لقد كان يمتلك عاطفة جياشة رقيقة مطعّمة بمعرفة مكامن الجمال وصدق الإحساس،فمن منا لا يحفظ هذه الأبيات الرائعة الجميلة عن ظهر قلب :
يــا قَومِ أَذني لِبَعضِ الحَيِّ عاشِقَةٌ
وَالأُذنُ تَــعشَقُ قَــبلَ العَينِ أَحيانا
قالوا بِمَن لا تَرى تَهذي فَقُلتُ لَهُم
الأُذنُ كَالعَينِ تُؤتي القَلبَ ما كانا
هَــل مِــن دَواءٍ لِمَشغُوفٍ بِجارِيَةٍ
يَــلقَى بِــلُقيانِها رَوحــاً وَرَيــحانا
ومن رقيق شعره في الغزل قوله:
لَــم يَــطُل لَــيلي وَلَكِن لَم أَنَم
وَنَــفى عَنّي الكَرى طَيفٌ أَلَم
وَإِذا قُــلــتُ لَــها جــودي لَــنا
خَرَجَت بِالصَمتِ عَن لا وَنَعَم
نَــفِّسي يــا عَبدَ عَنّي وَاِعلَمي
أَنَّــني يــا عَــبدَ مِــن لَحمٍ وَدَم
إِنَّ فــي بُــردَيَّ جِــسماً ناحِلا

لَـــو تَــوَكَّأتِ عَــلَيهِ لَاِنــهَدَم
خَــتَمَ الــحُبُّ لَــها فــي عُنُقي
مَــوضِعَ الخاتَمِ مِن أَهلِ الذِمَم
فَــاِهجُرِ الــشَوقَ إِلــى رُؤيَتِها
أَيُّــها الــمَهجورُ إِلّا في الحُلُم
حَــدِّثيني عَــن كِــتابٍ جاءَني
مِــنكِ بِــالذَمِّ وَمــا كُــنتُ أُذَم
ثم من منا لم يردد هذه الأبيات الموغلة في الحكمة والدالة على الحصافة ونضوج العقل:
إِذا بَــلَغَ الــرَأيُ الــمَشورَةَ فَاِستَعِن
بِــرأيِ نَــصيحٍ أَو نَــصيحَةِ حــازِمِ
وَلا تَجعَلِ الشُورى عَلَيكَ غَضاضَةً
مَــكــانُ الــخَــوافي قُـــوَّةٌ لِــلقَوادِمِ
وعن هذه الأبيات أُورِد ماروي عن الأصمعي أنه قال:
قلت لبشار بن برد:
يا أبا معاذ،إن الناس يعجبون من أبياتك في المشورة.
فقال لي:
يا أبا سعيد،إن المشاور بين صواب يفوز بثمرته أو خطإ يشارك في مكروهه.
فقلت له:
والله أنت في قولك هذا أشعر منك في شعرك.
اتهم بشار في آخر حياته بالزندقة مثلما اتهم غيره من الشعراء بها كالطغرائي مثلا،فقضى نحبه وهو تحت السياط.
وتحية للجميع.