كنوز نت - ‏بقلم / د. عادل جوده/ العراق/ كركوك


الكتاب : رواية (الذين باركوا القتل) 
‏        تأليف : رانية مرجية
‏       النوعية : روايات اجتماعية
‏       عدد الصفحات : 80 صفحة
‏      عدد الفصول :  10 فصل
‏       السنة : 2025
‏-----
‏قراءة الأدبية لرواية "الذين باركوا القتل"
‏ للكاتبة رانية مرجية
‏ والتي تمثل شهادة أدبية مؤثرة على زمننا المعاصر.
‏بقلم / د.  عادل جوده/ العراق/ كركوك
‏-----
‏قراءة في رواية "الذين باركوا القتل": 
‏حين يصبح القتل صلاةً والغفران ثورةً
‏تمهيد: 
‏من يبارك القتل؟
‏في رواية "الذين باركوا القتل" للكاتبة رانية مرجية، لا يقتل الجناة وحدهم، بل يشاركهم المجتمع بأكمله في الجريمة. إنها رواية تحفر في أعماق النفس البشرية والمجتمعية، لتكشف عن ذلك التناقض المروع بين الفضيلة والقتل، بين القداسة والجريمة. الرواية التي صدرت عام 2025 في 80 صفحة فقط، تثبت أن العبقرية لا تقاس بعدد الصفحات، بل بعمق الرؤية وقوة التأثير.
‏الشخصيات: 
‏وجوه في مرآة مكسورة
‏ليلى - ليست مجرد بطلة تموت، بل هي فكرة تولد من رحم الموت. الفتاة المثقفة التي ترفض أن تكون نسخة مكرورة من نساء قريتها، تتعلم وتعليم البنات سراً، فتتحول معرفتها إلى تهمة وجودها إلى جريمة. ليلى تمثل صوت الحقيقة الذي يرفض الانكسار، حتى عندما يُكسر جسدها. هي الشمعة التي تحترق لتنير للآخرين طريقهم.
‏نوار - الأخ القاتل الذي يكتشف متأخراً أنه قتل نفسه عندما قتل أخته. في شخصيته تختزل الرواية مأساة الرجل الشرقي المحاصر بين إنسانيته وتربيته، بين حبه لأخته وخوفه من نظرات المجتمع. نوار ليس شريراً بطبعه، بل هو ضحية لنظام اجتماعي جعله جلاّده وناقمه في آن واحد.

‏الأم - الصمت الذي يصرخ، الحب الذي يعجز عن الحماية، المرأة التي تكررت في كل امرأة قبلها وستتكرر في كل من يأتي بعدها. تمثل الأم الضمير الجمعي الأنثوي المكبوت، التي تحاول بحبال الصبر والإيمان أن تمنع السقوط، لكنها تسقط معهم عندما ينهار العالم من حولهم.
‏الثيمات:
‏ جرح ينزف أسئلة
‏جرائم الشرف كفعل جماعي - تطرح الرواية سؤالاً محورياً: من يقتل فعلاً؟ أهو نوار وحده أم كل من ساهم في صنع المناخ الذي جعل القتل ممكناً؟ الكاتبة تذهب إلى أن المجتمع بأسره يتحمل المسؤولية، من خلال صمته، خوفه، تبريره، ونظرته. كل من بارك القتل بصمتة أو بكلمته أو بنظره هو شريك في الجريمة.
‏المرأة والنور - تخلق مرجية معادلة شعرية بين المرأة والنور، بين الظلمة والجهل. ليلى هي النور الذي تخشاه القرية، لأن النور يكشف ما تريد إخفاءه. المعرفة هنا ليست مجرد قراءة وكتابة، بل هي وعي يهدد النظام الأبوي القائم على الجهل والخوف.
‏الغفران كقوة متحررة - في مفارقة عميقة، تقدم الرواية الغفران لا كضعف بل كقوة، لا كخنوع بل كتحرر. عندما يغفر نوار لنفسه ويتحول من قاتل إلى ناقل للعلم، يكون قد انتصر على الجريمة بأسمى صور الانتصار. الغفران هنا هو الثورة الحقيقية على منطق القتل.
‏الأسلوب:
‏ لغة تبحث عن روحها
‏لغة رانية مرجية في الرواية هي لغة تأملية شاعرية، تخلط الواقعي بالرمزي، المحسوس بالمجرد. تستخدم الكاتبة الإضاءة والظل كرموز بصرية تعبر عن الصراع بين المعرفة والجهل، الحرية والقمع، الحياة والموت. السرد يتنقل بسلاسة بين المونولوج الداخلي والوصف الخارجي، بين الماضي والحاضر، بين الجريمة وعواقبها.
‏العناوين العشرة للفصول تشكل قصة مصغرة داخل القصة الكبرى، تبدأ من "بيت يخاف النور" وتنتهي بـ"هوامش الغفران"، في رحلة كاملة من الظلام إلى النور، من الجريمة إلى التكفير، من الموت إلى الحياة.
‏ 
‏من موت الجسد إلى ولادة الروح
‏"الذين باركوا القتل" ليست رواية عن الموت، بل عن الحياة التي تنتصر رغم كل شيء. عن ليلى التي تستمر حية في كل فتاة ترفض الصمت، وفي نوار الذي يجد في الغفران خلاصه. عن شجرة الرمان التي تزهر من جديد رمزاً للحياة التي لا تنتهي.
‏الرواية تقول لنا إن الجريمة لا تنتهي بموت الضحية، بل تستمر في القاتل والمجتمع، وإن الخلاص لا يكون بالنسيان، بل بالذكرى والغفران والتحول. تقول لنا إن الله لا يريدنا صامتين، لأن الصمت أخطر من الدم.
‏في النهاية
‏ تبقى هذه الرواية شاهدة على زمننا، مرآة لواقع ما زال يعيش بيننا، ونداءً لإنسانية قد نكون نسيناها. رواية تستحق القراءة والتأمل
‏لأنها لا تحكي عن الموت
‏بل تدعونا للحياة.