
كنوز نت - بقلم: سليم السعدي
التاريخ المزوّر
من رسائل الحكمة الحديثة
- بقلم: سليم السعدي
الجزء الأول – جذور الزيف
اشتدّ عُضُدُ مفكّري اللاهوت حين رسّخوا في عقول الناس قصصًا ورواياتٍ لا أصل لها من الحقيقة، لا سندًا أثريًّا ولا برهانًا علميًّا. كانت تلك الحكايات وسيلتهم لبناء منظومةٍ شيطانيةٍ هدفها السيطرة والحكم، فحوّلوا الإيمان إلى أداةٍ للهيمنة، والروح إلى قيدٍ على الفكر.
لقد سرقوا خيرات الشعوب باسم العقيدة، واستعبدوا الإنسان مستندين إلى نصوصٍ محرّفةٍ وتأويلاتٍ مظلمة. وكلّما فتّشنا في صفحات التاريخ وجدناه مقلوبًا على وجهه، تكتبه الأيدي المنتصرة لا العقول الصادقة، وتُمحى منه الحقائق كلّما اقتربنا من النور.
الجزء الثاني – صناعة الوهم
منذ أن سقطت الكلمة في يد الكهنة، تحوّل الوحي إلى ملكٍ خاصّ، والحقّ إلى روايةٍ تُباع وتُشترى على موائد الملوك. فصارت القداسة وسيلةَ إخضاعٍ لا وسيلةَ هداية.
لقد صاغت الممالك القديمة أساطيرها كما يُصاغ الحديد في النار، مزجت التاريخ بالعقيدة، والدم بالمقدّس، حتى لم نعد نعرف أين ينتهي الإيمان وأين تبدأ السياسة.
ومن رحم هذا الخداع وُلدت الإمبراطوريات التي رفعت شعار “الاختيار الإلهي”، لتُخضع الشعوب باسم الله، وتسلب الأرض باسمه أيضًا. لكنّ الحقيقة لا تموت، بل تنام تحت الركام تنتظر من يُزيح الغبار عنها.
الجزء الثالث – من بابل إلى الاستعمار
في بابل بدأ الخداع حين رفع الإنسان برجَه إلى السماء، وفي أورشليم اكتملت الأسطورة حين صارت الأرض وعدًا يُباع ويُشترى باسم الرب.
وفي روما تحوّل الخلاص إلى تجارة، ثم حملت أوروبا راية “النور” لتغزو العالم بنار الاستعمار، من الكنيسة إلى الشركات، من المحراب إلى المصرف، كلّها وجوه لسلطةٍ واحدة: سلطة الكذب المقدّس.
وفي عصرنا الحديث تبدّلت الأسماء، وبقي الجوهر واحدًا:
استيطانٌ باسم النبوءة، واحتلالٌ باسم الديمقراطية، وإعلامٌ يُعيد رواية الأكذوبة حتى تُصبح واقعًا.
غير أن الأرض ترفض الزيف، وكلّ حجرٍ فيها شاهد على أن الحق لا يُدفن.
الجزء الرابع – رسالة من الحكمة
يا ابن التراب والروح،
إن الذين زيّفوا التاريخ باعوا أرواحهم للوهم، وسيقرأون في النهاية ما كتبوه على جدران الظلام.
كلّ أكذوبةٍ تُبنى على الخوف مصيرها السقوط، وكلّ سلطانٍ يقوم على التزوير نهايته الغبار.
الحقيقة تصبر كما تصبر البذرة في جوف التراب، وحين تهبّ ريح الوعي تنكسر السلاسل ويولد التاريخ من جديد.
ابحث عن الله في الضمير لا في الكتب التي كتبها الملوك، ففي القلب وحيٌ لا يزول، ونورٌ لا يُطفأ.
التاريخ الحقّ يكتبه الأحرار،
لا بالسيف ولا بالذهب،
بل بالوعي حين يعود الإنسان إلى فطرته الأولى:
حيث لا سيّد ولا عبد، بل روح تعرف أن النور أصلها، وأن الزيف مهما تجمّل… فانٍ.
سليم السعدي
رسائل الحكمة الحديثة
2025
29/10/2025 11:05 am 47
.jpg)
.jpg)