
كنوز نت - بقلم : سليم السعدي
عصابات الإجرام في المجتمع الفلسطيني بين التفكك الداخلي ومشروع التهجير الصامت
بقلم : سليم السعدي
لم يعد تفشّي عصابات الإجرام في المجتمع الفلسطيني حدثًا عابرًا يمكن عزله عن سياقه السياسي، ولا ظاهرة اجتماعية يمكن تفسيرها فقط بعوامل الفقر أو التفكك الأسري أو ضعف الردع القانوني. فما يجري اليوم يتجاوز الجريمة بمعناها التقليدي، ليدخل في إطار هندسة فوضى ممنهجة، تهدف إلى ضرب البنية الداخلية للمجتمع الفلسطيني، وتحويل حياته اليومية إلى حالة من الخوف الدائم، تمهيدًا لإفراغ الأرض من أهلها بوسائل غير عسكرية، ولكنها لا تقل فتكًا.
أولًا: الجريمة كأداة سياسية لا كظاهرة عفوية
إن أي قراءة موضوعية للواقع تكشف تناقضًا صارخًا في تعامل سلطات الكيان الصهيوني مع ملف “الأمن”. ففي الوقت الذي تُظهر فيه هذه السلطات قدرة استخباراتية وأمنية عالية على ملاحقة من تريد، وتصفيته متى شاءت وبالطريقة التي تختارها، نراها في المقابل عاجزة – أو متعاجزة – عن كبح عصابات الإجرام التي تنشط داخل المجتمع الفلسطيني، وتستبيح دمه وماله وطمأنينته.
هذا التناقض لا يمكن تفسيره بالإهمال وحده، بل يشي بوجود مصلحة سياسية مباشرة في بقاء هذه العصابات، وتضخم قوتها، وتحوّلها إلى سلطة أمر واقع داخل الأحياء والبلدات، بحيث تصبح الدولة – التي تدّعي فرض “القانون والنظام” – غائبة حين يكون الضحية فلسطينيًا.
ثانيًا: زعزعة الأمن كمدخل للتهجير “الطوعي”
إن أخطر ما في هذه السياسة هو أنها لا تسعى إلى التهجير القسري المباشر، بل إلى كسر الإرادة الجماعية للبقاء. فعندما يعيش الإنسان في خوف دائم على حياته وحياة أبنائه، وعندما تصبح الرصاصة الطائشة احتمالًا يوميًا، ويتحوّل الليل إلى مساحة رعب، يبدأ الوطن نفسه بفقدان معناه الآمن.
وهنا يتحقق الهدف الأخطر:
أن يفكّر الفلسطيني بالرحيل ليس لأنه لا يحب أرضه، بل لأنه لم يعد قادرًا على العيش فيها بكرامة وأمان. وهذا هو جوهر “التهجير الطوعي” الذي يُسوَّق دوليًا كخيار فردي، بينما هو في الحقيقة نتيجة ضغط منظم ومركّب.
ثالثًا: عصابات الإجرام… من الجريمة إلى الخيانة
لا يمكن إعفاء عصابات الإجرام نفسها من المسؤولية الأخلاقية والوطنية. فهذه العصابات، سواء أدركت ذلك أم أنكرت، قد تحوّلت عمليًا إلى أدوات بيد المحتل، تنفّذ ما يخدم مشروعه دون أن ترفع علمه.
إن من يقتل أبناء شعبه، ويروّع الآمنين، ويتاجر بالسلاح والمخدرات، ويفرض الإتاوات بالقوة، إنما يشارك بشكل مباشر في ضرب المجتمع من الداخل. وهذه الأفعال لا يمكن تبريرها بأي ذريعة، لا اقتصادية ولا اجتماعية، لأنها تقع في صلب الفساد في الأرض الذي حرّمته الشرائع السماوية، وجرّمته القيم الإنسانية قبل القوانين الوضعية.
رابعًا: البعد الديني والأخلاقي للجريمة
من منظور ديني، فإن ما تقوم به هذه العصابات يُعد انتهاكًا صريحًا لشريعة الله، ومخالفة واضحة لهدي النبي محمد ﷺ، الذي شدّد على حرمة الدم، واعتبر الاعتداء على النفس الواحدة كأنه اعتداء على البشرية جمعاء. ولا يمكن لمن يدّعي الانتماء لهذا الدين أن يبرّر قتل الأبرياء أو التسبب في خراب المجتمعات تحت أي مسمى.
كما أن التاريخ القريب والبعيد يعلّمنا أن الخيانة لا تحمي أصحابها، وأن كل من تواطأ مع المحتل أو خدم مشاريعه، كان أول من تخلّى عنه حين انتهت وظيفته، بل كان ضحية له في كثير من الأحيان.
خامسًا: المسؤولية الجماعية وضرورة المواجهة
إن مواجهة عصابات الإجرام ليست مسؤولية أمنية فحسب، بل هي معركة وعي ووجود. معركة تتطلب:
فضح العلاقة البنيوية بين تفشي الجريمة والسياسات الاستعمارية.
تعزيز التضامن المجتمعي ورفض ثقافة الصمت والخوف.
تحميل الجهات الرسمية مسؤولياتها القانونية والأخلاقية دون مواربة.
تحصين الأجيال القادمة بالوعي، لا بالخضوع للأمر الواقع.
فالمجتمع الذي يُستنزف من الداخل، يسهل كسره من الخارج، وهذا ما يجب إدراكه قبل فوات الأوان.
خاتمة
إن عصابات الإجرام ليست خطرًا أمنيًا عابرًا، بل مشروع هدم داخلي يخدم مشروع الاحتلال في تفريغ الأرض من أهلها، وكسر إرادتهم، وتشويه نضالهم. والتصدي لها هو دفاع عن الحق في الحياة، وعن معنى الوطن، وعن كرامة الإنسان الفلسطيني في أرضه.
25/12/2025 08:06 am 24
.jpg)
.jpg)