.jpg)
كنوز نت - هانم داود
كواليس معبر رفح
كانت عقارب ساعة "العمليات المشتركة" في مبنى المخابرات المصرية تحوم حول التاسعة صباحًا عندما انفجر الهاتف الأحمر على مكتب اللواء حامد المنيسي، رئيس فريق إدارة الأزمة.
"سيدي اللواء، عاجل من مصدرنا في تل أبيب، الإعلان نُشر. رفح سيُفتح... للخروج فقط."
تصلب وجه المنيسي. هذه هي الخدعة الإسرائيلية التي توقعوها. رفع سماعة الهاتف بقبضة قوية حتى كاد يكسرها.
"أبو طارق، نفّذ الخطة 'باء'. بيّن الموقف. أريد بيانًا صحفيًا مصريًا صلبًا كالجلمود خلال ساعة. لا تنسيق، لا موافقة، والفتح يكون في الاتجاهين أو لا فتح على الإطلاق!"
بعد دقائق، وبينما كانت دماء اللواء تغلي، رن هاتف آخر، رقم دبلوماسي أمريكي طويل.
"صباح الخير يا حامد. أتفهم توترك، لكن يجب أن تعلم أن هذا الترتيب يسمح بخروج الحالات الإنسانية. بياننا في واشنطن على وشك النشر، إنه يرحب بالخطوة ويشيد بـ 'التنسيق الوثيق' الذي أفضى إليها..."
قاطع المنيسي بنبرة باردة وواضحة: "يا سيد آدم، ليس هناك أي تنسيق وثيق. هذه محاولة لفرض الأمر الواقع. إذا نُشر بيانكم بهذه الكلمات، فاعتبروا الموقف المصري ضدكم وضد إسرائيل، وسأصعّد الموقف على الأرض فورًا. لا يمكن أن نجعل من شعبنا جسرًا لحل مشكلاتهم الداخلية."
أغلق اللواء الهاتف دون انتظار رد. كان يعلم أن البيان الأمريكي هو الغطاء السياسي الذي تحتاج إليه إسرائيل لشرعنة خطوتها الأحادية. يجب أن يسقط هذا الغطاء.
----------اليد الإسرائيلية والجدار المصري
في تل أبيب، كان العقيد إيال شالوم يبتسم ببرود وهو يراقب ردود الفعل. بالنسبة له، المناورة كانت بسيطة: إجبار مصر على تحمل مسؤولية إغلاق المعبر أمام الفلسطينيين اليائسين.
"ماذا تقول القاهرة؟" سأل شالوم معاونه.
"غاضبون. ينفون التنسيق ويطالبون بالفتح الكامل للاتجاهين: دخول مساعدات وخروج المرضى... لكننا لا نهتم. نحن نقول إننا فتحنا الطريق، وإذا لم ترغب مصر في استقبالهم، فهذه مشكلتهم."
"ممتاز. فلتذهبوا وتنشروا هذا الاقتباس الأمني على الفور. دعوا الإعلام يركز على الكارثة الإنسانية عند الجانب الفلسطيني. عندها سيستسلم المصريون للضغط الدولي."
لكن الرد المصري جاء مفاجئًا. على شاشة مراقبة في غرفة العمليات، ظهر المتحدث باسم الخارجية المصرية متجهم الوجه: "مصر ترفض رفضًا قاطعًا فرض الأمر الواقع. أي خطوة أحادية لا تضمن تنفيذ الاتفاق الكامل بخصوص دخول المساعدات وإعادة الإعمار هي خطوة باطلة، ولن تمر عبر الحدود المصرية."
أدرك شالوم أن القاهرة لن تتراجع. لقد رفعوا سقف التحدي: رفض تحويلهم إلى مجرد منفذ تصريف أزمة.
----------------التراجع في واشنطن
في واشنطن، وبعد ساعة من المكالمة الغاضبة من اللواء المنيسي، وبينما كان البيان الأمريكي المرحب بالخطوة الإسرائيلية قد نُشر بالفعل على موقع الخارجية، ارتفع الصراخ في مكتب آدم ماكلين، مسؤول الملف المصري في الوزارة.
"اللعنة! لقد حذّرني المنيسي! البيان المصري يتهمنا ضمنيًا بالتواطؤ! انظروا إلى عناوين الأخبار: 'القاهرة تتحدى تل أبيب وتصعد الأزمة!' و'مصادر إسرائيلية: هذه مشكلة مصر!'"
"ماذا نفعل يا آدم؟" سألته مساعدته بوجه شاحب. "لا يمكننا أن نكون متهمين بتجاهل الموقف المصري. أمن المنطقة كله يعتمد على القاهرة."
نظر ماكلين إلى البيان المفتوح على شاشته، وتحديدًا عبارة "تنسيق وثيق". كانت كاذبة. لقد أرادت إسرائيل أن تجعلها حقيقة، ووقعت واشنطن في الفخ.
"احذفوا البيان. احذفوه فورًا، ولا تتركوا له أثرًا! لا يمكننا أن نقف كغطاء لخطوة أحادية تُغضب القاهرة بهذا الشكل. يجب أن نعيد التقييم. الاتفاق الأصلي ينص على الفتح الكامل، وهذا هو ما يجب أن ندعمه."
في غضون دقائق، اختفى البيان الأمريكي من الإنترنت. لم يكن حذفه مجرد تعديل، بل كان إعلان تراجع واعتراف ضمني بالخطأ السياسي، وشهادة على صلابة الموقف المصري.
على الحدود، كان معبر رفح مغلقًا بالكامل. صمت مطبق يخيم على المنطقة، صمت أثقلته الكلمات الملغومة، وعبره، فُرضت الإرادة المصرية.
مصر ستفرض شروطها لأنها تملك مفتاح الجغرافيا وشرعية الموقف الإنساني، وتراجع واشنطن دليل على نفوذها.
ويرى البعض أن إسرائيل ستتمسك بخططها لأنها تربط الأمر بملف المحتجزين، وستستغل الضغط الدولي لتمرير خطوتها لاحقًا.
(حكايات): هانم داود
06/12/2025 08:08 am 89
.jpg)
.jpg)