كنوز نت - بقلم: سليم السعدي


في كواليس السياسة الفلسطينية، كثيرٌ مما جرى لم يُكتب بعد، وكثير مما قيل لم يُعلن رسميًا. ومن بين أخطر التحولات التي مرّت بها منظمة التحرير، ذلك النقاش الخفي الذي بدأ عام 1969، حيث تداخلت الواقعية السياسية مع صراع الهويّة والمصير. بين روايات القيادات وشهادات التاريخ، يبرز اسم هاني الحسن ليكشف جانبًا بقي طويلاً خلف الستار.


منظمة التحرير... بين البندقية والاعتراف: هاني الحسن يكشف جدلية التحول منذ 1969

بقلم: سليم السعدي

منذ أواخر ستينات القرن الماضي، بدأت ملامح التحول السياسي داخل منظمة التحرير الفلسطينية تتشكّل بهدوء خلف الأبواب المغلقة. ففي عام 1969، ومع صعود حركة "فتح" إلى قيادة المنظمة، احتدم النقاش حول مستقبل الصراع مع "الكيان الإسرائيلي" وحدود المشروع الوطني الفلسطيني.

المنظمة التي تأسست عام 1964 على شعار "تحرير كامل التراب الفلسطيني"، وجدت نفسها أمام واقع عربي ودولي معقد بعد هزيمة 1967، فبرز تيار داخلها دعا إلى ما سُمّي لاحقًا بـ"الواقعية السياسية"، أي القبول بإقامة دولة فلسطينية على أي جزء يتم تحريره من أرض فلسطين.


القيادي الراحل هاني الحسن، أحد أبرز مؤسسي "فتح" وعضو لجنتها المركزية، كان من الذين تحدثوا بصراحة عن تلك المرحلة المفصلية. ففي أحاديثه وندواته داخل أوروبا، أشار إلى أن النقاش داخل المنظمة بدأ منذ عام 1969، وأن القيادة كانت تدرك أن إقناع الشعب الفلسطيني بالتحول من مشروع التحرير الكامل إلى مشروع الدولة الجزئية يحتاج إلى زمن طويل — قد يمتد لعقدين من الزمن.

ورغم عدم توثيق تصريحٍ مباشرٍ للحسن في مؤتمر محدد ببريطانيا يقول فيه ذلك حرفيًا، فإن مضمون ما نُقل عنه يتطابق مع مسار الأحداث التاريخية:
فقد استغرق الأمر فعلًا قرابة عشرين عامًا قبل أن يتبلور الاعتراف العملي بوجود "إسرائيل" عبر اتفاق أوسلو عام 1993، والذي مثّل تتويجًا لعملية سياسية بدأت بوادرها منذ تلك المناقشات المبكرة.

هذا التحول لم يكن مجرد تبدّل في الخطاب، بل في الفلسفة السياسية لمنظمة التحرير. فبينما كانت البندقية هي رمز الشرعية الثورية، أصبحت "الشرعية الدولية" بديلاً عنها. وهكذا تحوّل الصراع من صراع تحرري إلى صراع تفاوضي، ومن شعار "الثورة حتى النصر" إلى "السلام خيار استراتيجي".

خاتمة: بين السرّ التاريخي والاعتراف المعلن

ما دار في كواليس عام 1969 لم يعد سراً، بل أصبح جزءًا من التاريخ السياسي الفلسطيني الذي ما زال يثير جدلاً بين الأجيال. فبين من يرى أن تلك التحولات كانت خطوة اضطرارية لانتزاع موطئ قدم على أرض الوطن، ومن يعتبرها تنازلاً جوهريًا عن جوهر القضية، تظل الحقيقة أن ما بُذر في ذلك العام أثمر لاحقًا واقعًا جديدًا فرض نفسه على الأرض والسياسة.

اليوم، وبعد أكثر من نصف قرن، يبدو أن السؤال الذي طُرح في أروقة المنظمة قبل خمسة عقود ما زال مطروحًا بإلحاح:
هل كانت تلك “الواقعية السياسية” طريقًا إلى الدولة أم بداية النهاية للمشروع الوطني؟
وما بين البندقية والاعتراف... تبقى فلسطين هي المحكّ الوحيد للحقيقة.