كنوز نت - بقلم: سليم السعدي


هل حقًا شعبٌ لا يُقهر؟

بقلم: سليم السعدي

منذ أكثر من قرن، والشعب الفلسطيني العربي يعيش مأساة فقدان الأرض والهوية. غير أن هذا الصراع لم يكن يومًا دينيًا بحتًا كما يُروَّج، بل سياسيًا واستعماريًا ذا غطاءٍ لاهوتيٍّ مُزيّف، هدفه السيطرة على الشرق وسلبه إرادته وثرواته.

ففي بدايات القرن العشرين، نشأت في أوروبا تيارات عنصرية وأرثوذكسية متشددة، رأت في اليهود عنصرًا مقلقًا داخل مجتمعاتها المتخمة بالأزمات الاقتصادية والسياسية. ومن هنا برزت فكرة طرد اليهود من أوروبا وتوطينهم في مكان آخر، فكان "وعد بلفور" — لا بوصفه تعويضًا إنسانيًا كما زُعم، بل بوصفه خطة استعمارية متكاملة لإعادة تشكيل الخريطة الجيوسياسية للمنطقة العربية.

لقد أدرك الغرب المسيحي، الذي تبنّى فكرة تجسيد المسيح الكفري ومفهوم الخلاص الأرضي، أن بإمكانه استغلال الموروث الديني لتمرير مشروعه السياسي. فاختلق قصة المحرقة لتبرير قيام كيان جديد في فلسطين، ومن خلاله ضربوا ثلاثة أهداف في آن واحد:

1. التخلّص من الوجود اليهودي الأوروبي دون الدخول في صدام داخلي مباشر.


2. الاستيلاء على قلب الوطن العربي عبر زرع كيان غريب يشكل حاجزًا حضاريًا ودينيًا واقتصاديًا.



3. تأسيس قاعدة نفوذ غربية دائمة تحت راية “الوعد الإلهي” و“الحق التاريخي”.



وهكذا نشأت إسرائيل لا بوصفها دولة مستقلة، بل أداة استعمارية بلباس ديني، وُجدت لتكون رأس الحربة في مشروع السيطرة الغربي. الغرب لم يكن يومًا محبًّا لليهود، بل استخدمهم كما يستخدم أدواته الاستعمارية عبر التاريخ. والعداء التاريخي بين اليهودية والمسيحية معروف منذ اتهام الأولى بصلب المسيح، لكن المصالح المادية والسياسية صنعت ما سُمّي لاحقًا بـ"التحالف الاستراتيجي"، وهو في الحقيقة مصالحة كاذبة لتبرير مشروعٍ استيطانيٍ استعماريٍ مشترك.

لم يكن الأمر إذن قضية دينية، بل حرب مصالح وهيمنة، تُدار بلغة اللاهوت المُحرَّف لتخدير الشعوب وتبرير الجرائم. وليس أدلّ على ذلك من تصريح الرئيس الأميركي جو بايدن حين قال:

> "لولا وجود إسرائيل لما كان وجود لأمريكا."



بهذا التصريح، تنكشف الحقيقة كاملة: إسرائيل ليست مشروعًا دينيًا بل قاعدة غربية متقدمة، تحرس مصالح الغرب وتخدم تمدده في الشرق. أما الشعب الفلسطيني، فبقي وحده في مواجهة هذا التحالف الجهنمي، يؤمن بأن الأرض حقٌّ، وأن الهوية لا تُشترى ولا تُباع، وأن الضعف لا يعني الهزيمة، بل اختبارٌ للصبر والإرادة.

وإن سأل سائل: هل ما زال هذا الشعب قادرًا على الصمود؟
فالجواب يأتي من كل حجر وزيتونة وزغردة أمٍّ ثكلى:
نعم... هذا شعبٌ لا يُقهر.