
كنوز نت - بقلم: الكاتب سليم السعدي
برلمانات وشارعٌ ودعواتٌ... وصمتٌ يَنكُسُ الجراح
بقلم: الكاتب سليم السعدي
نشهد اليوم مشاهد متناقضة تعكس حجم الانقسام العالمي والإقليمي في التعامل مع مجزرة غزة: برلمانات أوروبية تتبنّى مواقف تضاغط من أجل وقف إطلاق النار ومطالبات بالاعتراف، وشعوب ونشطاء ينزلون إلى الشارع تضامناً مع أهلنا، بينما يخرج أسطولٌ بحريٌّ مدنيٌّ ضمّ مشاركات وتمثيلاً من 44 دولة في محاولةٍ لكسر الحصار عن غزة وإيصال المساعدات. هذه الحقائق لم تعد أحلاماً أو أوهاماً — هي واقع نراه ونجده في صفحات الأخبار ومواقع التضامن الدولية.
ومع ذلك، فإن الصمت المخيّم على العالم العربي والإسلامي الرسمي يقتل قبل أن يندب. أصواتٌ صاعدةٌ في أوروبا وأمريكا تتضامن مع الضحايا، وأعمال مدنية تضغط وتُحرّك الرأي العام، بينما آلة السياسة العربية — التي صرفت عليها أموالٌ طائلة لحماية عروشٍ — تظلّ مترددة أو مُهملة في اتخاذ مواقف حقيقية تضغط لإنقاذ الدماء وإيصال المساعدات. هذا التباين لا يحتاج إلى تبرير؛ بل يحتاج إلى وقفة ضمير ومحاسبة.
ليس الأمر هنا مجرد نقدٍ سياسي، بل استحضار لواجبٍ أخلاقي وديني وإنساني: لا يمكن أن نتغاضى عن قتل الأطفال والنساء والرضع ونعود إلى الحياة اليومية كأن شيئاً لم يكن. ما يثير الدهشة — وقد يصفه النبي عليه الصلاة والسلام في أحاديثه عن زمن الغفلة — هو مقدار النعاس الروحي الذي أصاب أمماً وأفراداً كانوا يفترض أنهم حصون للحق. وهذا ما يجعل مسؤولية المجتمع المدني، والفقهاء الذين يحملون ضمير الأمة، والفاعلين الثقافيين والسياسيين، أكبر من أي وقت مضى.
علينا أيضاً أن نقرأ الدرس التاريخي: من يبيعون شعوبهم أو يفرّطون في كرامتها ضد أي طاغوت، لا يصنعون أمنًا طويل الأمد؛ بل يزرعون الإذلال والفَجْوة. أموالٌ أنفقت لحماية عروشٍ لم تحمِ الإنسانية، وخططٌ أُعِدّت لحماية مصالحٍ على حساب حياةٍ بريئة. هذا التعارض بين القول والفعل هو ما أفرز حالة الانقسام الذهني والروحي التي نراها اليوم.
لكن لا ينبغي أن يكون مآلنا الشتم والتأسف وحدهما: العمل المطلوب واضح — دعم صوت الشعب الفلسطيني في المحافل الدولية، الضغط على البرلمانات والحكومات لوقف الدعم العسكري، حماية الممرّات الإنسانية، ودعم مبادرات المجتمع المدني كالمسيرات والأساطيل المدنية التي تسعى لكسر الحصار. هذه أفعال تُغيّر المعادلات أكثر من أي بياناتٍ فارغة.
وأخيرا: دعوةٌ صادقة لكل من يهمّه أمر الأمة — علماء، وحكّامًا، ومثقفين، وشبابًا — أن يستيقظوا من سباتٍ لا يليق بتاريخ أمةٍ عظيمة. واجبكم أخلاقي وديني وإنساني؛ ومن ينصر الحق فلا يغلب إن شاء الله. الوقت لم يعد يحتمل المزيد من الانتظار السياسي والبلاغي؛ الأفعال الآن هي التي ستكتب التاريخ.
مع السلامة والكرامة،
سليم السعدي
22/09/2025 08:04 am 133
.jpg)
.jpg)