كنوز نت - رانية فؤاد مرجية


ظلال
رانية فؤاد مرجية
عندما يأتي النهار،
يتعثر المساء بثوبه الثقيل،
تتثاءب الشمس
كأنها نسيت الطريق إلى الغروب،
تُزيح عن الأفق وجعًا متراكمًا
وترتدي قبعةً من رماد.
تسحب معها جوارب الليل
وتخبّئ في طيّاتها طفولتنا الضائعة،
شخصيتها الأبدية
مرسومة من براءة
قُتلت ذات نكبة.
يخرج الهلال خجِلاً من شقّ الغيم،
يمضي بصمت
مع قافلةِ الأمهات
الحافيات من الزمان،
يواجهن سحابة
احتضنت رائحة الغياب
وأنفاسًا مجففة على وسائد الحجر.
يرتفع الأفقُ من رماده
كأنه يقيم دعامةً لذكرى،
أو يقيّدها حتى لا تطير،
تمشي بثياب اللجوء،
ووجهها لاجئٌ في المدى.
من جراح هذا الصباح
انبثق الفجر كأنينٍ قديم،
نثر أشعتَه على قبور
لم تكتمل فيها أسماء الموتى
ولا تواريخُ موتهم،
وارتفع —
كأنه يعيد صياغة الفقد
من رُكام القلب.
هناك،
أمّ تنهض من قبرها
ظنّت أن الفجيعة انتهت،
لكن الروحَ كانت
على الجانب الآخر من الألم.
حيث كُتب اسمٌ جديد
على حجرٍ متشقق،
وحيث الجوارب لا تدفئ
عظامَ الشهداء.
في هوامش العوالم المتشققة،
في جيوب السماء المثقوبة،
في جوارب الأطفال الممزقة،
تسكن النكبة
كظلٍّ
لا يغادر.



استيقظتُ نفسي: من نور ونار وسماء
بقلم: رانية مرجية
استيقظتُ نفسي،
كشعاعِ نورٍ إلهي يكسر ظلمةَ الأعماق،
كلهيبِ نارٍ منقوشٍ في جبين القديسين،
تصرخُ في وجهِ العدم:
أنا لي،
وأنا من نهضتُ، أرددها صلاةً بين شرايين الزمن:
أنا، ثم أنا، ثم أنا...
لا عاطفةٌ تُطفئ لهب روحي،
ولا وترٌ يُسكت نغمات قلبي إلا بإرادة الرحمن،
ولا ملعقةٌ تسيرني إلا برحمة السماء.
قراري في يديّ،
نارٌ توقدها يد مار شربل،
ونورٌ يُسطع كنجمةٍ من نور مريم العذراء،
روحٌ أنا،
وجسدي شراعُ نورٍ يهتف بالسماء،
كطفلٍ يولد قصيدةً مقدسةً،
ويمنعه العالم من كتابتها.
كيدُ الحياة وُلدتُ لأكسرَه،
لأكون شعلةً من نارٍ سماوية، لا تعرف الخوف،
أشعل شموع قلبي بدموعِ القديسين،
وأطرد ظلالَ الألم بوميض نورٍ من النور الأزلي.
من الآن فصاعدًا،
أنا استيقظتُ لأكون نفسي،
لا أحدٌ يملكُ مفاتيحَ استفزازي،
ولا أرضٌ من وحل أو دم تمشي عليها قدماي.
أنا نبعٌ من نارٍ لا تنطفئ،
وغيمةُ نورٍ تروي صحراء قلبي،
وروحي لهبٌ متأججٌ،
يحترقُ ليضيء دروبي،
ويشعل ألوانَ الحرية في السماء.
همس لي مار شربل من عمق القداسة:
"احملي جرحكِ كجناح ملاك، فهو شعلةُ نورٍ لا تُمحى."
وجاءتني مريم العذراء،
ترفرف بجناحيها من نور ورحمة،
تحملني في صلاتها،
وترسم في قلبي سلام السماء