كنوز نت - بقلم: رانية مرجية


في حضرة الغياب
بقلم: رانية مرجية
في مساءٍ متعبٍ من ضجيجِ الأيام،
عدتُ إليكَ...
لا أحملُ شيئًا سوى وجعي،
وسؤالٍ قديمٍ
لم يجب عليه أحد.
كنتَ هناك...
تمامًا في المسافةِ بين الحلمِ والنسيان،
كأنك الوقتُ حينَ يتباطأ،
كأنك الوطنُ حينَ يضيقُ على قلبِ أبنائه،
وأنا... كنتُ امرأةً
لا تُجيدُ إلا الانتظار.
حينَ تكلّم الغياب،
أدركتُ كم كنا نُخبّئُ الكلامَ في الصمت،
كم كنا نرتّبُ اللقاءاتِ على الرفوفِ العالية
وننسى أن نلمسَها.
كنتَ بعيدًا...
بقدر ما كنتَ قريبًا من روحي.
ما زلتَ تسكنني كما يسكنُ المطرُ نافذةً لا تُفتح،
تقرعُ الزجاجَ برفقٍ،
ثم ترحل،
وتتركني أعدّ القطراتِ
كما أعدُّ خيباتي الصغيرة.
لم أعد أبحث عن معجزة،
ولا عن مرفأٍ آمن،
كل ما أريده الآن
أن أتقاسم معك وجعي
بصمتٍ ناضج،
ونظرةٍ لا تطلبُ تفسيرًا.
أحببتُك...
لا كما يُحبُّ العشّاقُ في قصائدهم المكرّرة،

بل كما تُحبُّ الشجرةُ جذورها،
والأرضُ ماءها الأول،
وكما يُحبُّ القلبُ نبضَهُ الأوّل
بعد خوفٍ طويل.
سيدي،
إن كنتَ الغياب،
فأنا ذاكرةٌ لا تُجيدُ المحو،
وإن كنتَ الحلم،
فأنا الأرقُ الذي لا ينام.
كلما حاولتُ نسيانكَ
سقطَ منّي حرف،
وتعثّرَ بيت،
وانكسرَ لحنٌ كنتُ أحفظهُ منذ الطفولة.
أنا لم أكتبْ عنكَ اليوم،
بل كتبتُ بك،
فأنتَ الحرفُ حينَ يخونني،
وأنتَ القصيدةُ حينَ تفيضُ عن ضفافها.
يا سيدي،
في غيابكَ أكتب،
وفي حضوركَ أصمت،
وفي الحالتين...
أنتَ وحدك اللغة.
رانية مرجية