.png)
كنوز نت - بقلم الكاتب الفنان : سليم السعدي
هل كان العرب همجيين قبل الإسلام؟ تفكيك خرافة مستمرة
بقلم الكاتب الفنان : سليم السعدي
في زوايا بعض الخطابات المعاصرة، وخصوصًا تلك التي تحمل طابعًا استعلائيًا أو استشراقيًا، يتكرر وصف العرب قبل الإسلام بأنهم "همجيون"، وكأنهم خرجوا من ظلام دامس لا يملكون من الحضارة شيئًا. فهل هذه الصورة دقيقة؟ وهل أتى الإسلام ليخرج قومًا بلا أخلاق أو حضارة؟ أم أن الحقيقة أعمق من ذلك بكثير؟
الجاهلية لا تعني الهمجية :
أول ما يجب توضيحه أن مصطلح "الجاهلية" الذي استخدمه الإسلام، لا يعني "الهمجية" أو "التوحش"، بل يعني ببساطة الجهل بالله ووحدانيته، وجهل الشريعة والعدل الرباني، وليس الجهل بمعناه المطلق.
فالعرب الجاهليون كانوا يعرفون القيم، ويمارسون أنظمة اجتماعية وقانونية عرفية، وكان فيهم شعراء وفلاسفة ومفكرون، وقادة وقبائل ذات سطوة وتنظيم. صحيح أن هناك مظاهر سلبية كانت سائدة كالعصبية، وأكل الربا، وقتل البنات، لكنها لم تكن الوجه الوحيد لذلك المجتمع.
قبائل الصحراء ليست "همجية"
القبائل البدوية العربية، التي سكنت الصحراء، اتسمت بالقوة والصبر والقدرة على التكيّف مع بيئة قاسية. نعم، لم تكن تملك القصور أو المعابد العظيمة كالرومان والفرس، لكنها كانت تملك نظامًا قبليًا متماسكًا، وأعرافًا صارمة تحكم العلاقات، وعقيدة في الكرم والشجاعة والذود عن الشرف.
وقد ذكر المؤرخون أن البدو العرب كانوا يستهجنون الخيانة، ويكرهون الظلم، ويرفعون رايات "الجوار" و"الحِلف" للدفاع عن الضعفاء، وهي مبادئ لا تجدها حتى في "حضارات" مزعومة كانت تمارس العبودية والاستعمار كأمر معتاد.
هناك حضارات عربية سبقت الإسلام
ليس كل العرب كانوا بدوا. في اليمن مثلًا، كانت هناك حضارات سبأ ومعين وحِمْيَر، التي شيدت السدود، ونقشت الحروف، وأقامت علاقات دولية وتجارية مزدهرة.
وفي الشام والعراق، عاش العرب في ظل الغساسنة والمناذرة، وكان لهم صلات بالروم والفرس، ومعرفة بالسياسة والحرب والدين.
فهل من العدالة وصف كل هذا التاريخ بـ"الهمجية"؟
اللغة والشعر: دليل حضارة لا تُنكَر
من أقوى الأدلة على رُقي العرب قبل الإسلام هو الشعر الجاهلي.
فالمعلقات — وهي قصائد شعراء الجاهلية — مليئة بالحِكَم، والمعاني الراقية، والبلاغة الفذة.
هذا المستوى العالي من التعبير والبيان يدل على ثقافة متقدمة وفكر ناضج.
وليس من قبيل الصدفة أن ينزل القرآن بلغة العرب، ليُبهرهم ببيانه، ويعجز شعراؤهم وخطباؤهم عن مجاراته. ولو كانوا "همجيين" حقًا، لما أدركوا عظمة القرآن ولا فهموا بلاغته.
هل اسم او وصف "عربي" تعني همجي؟
لا. كلمة "عربي" أصلها من الجذر (ع-ر-ب)، وتعني البيان والفصاحة.
وكانت تطلق على القبائل التي تتكلم العربية وتعيش في الجزيرة العربية.
هي صفة لغوية وثقافية، وليست تقييمًا أخلاقيًا أو حضاريًا.
من هنا نُدرك أن وصف "العرب" بالهمجية لم يكن وصفًا أصيلًا، بل اختراعًا استشراقيًا أو أيديولوجيًا حديثًا، يُراد به تشويه الجذور، وتمرير عقدة النقص، واستبدال الحقائق برويات مزيفة.
الخلاصة:
العرب قبل الإسلام لم يكونوا بلا حضارة، بل كانوا أمة تملك مقومات عظيمة، أخلاقيًا ولغويًا واجتماعيًا.
جاء الإسلام ليُهذّب لا ليمحو، ليُكمل لا ليُهين، وليفتح الباب أمام أمة تملك القابلية للنهوض الحضاري.
والتاريخ منصفٌ، إن قرأناه بعيون حرة لا مستعارة .
08/07/2025 06:17 pm 35