كنوز نت - بقلم الكاتب والفنان : سليم السعدي


*هل الرب يرسل قتلة؟

بين النص، والتاريخ، والمجازر**
بقلم الكاتب والفنان : سليم السعدي

في هذا الزمن المشوّه، حيث تُباع الحقيقة في مزادات الإعلام، ويُزيَّف التاريخ بممحاة المستعمر، علينا أن نفتح أعيننا ونسأل، لا بل نصرخ:
هل الرب يرسل قتلة؟
هل من المنطق أن يأمر خالق الحياة بإفناء الحياة؟
هل من العقل أن يُنسب للرب أمرٌ بإبادة شعب كامل، دون ذنب، باسم "الوعد الإلهي"؟
وهل يمكن أن تُصبح الإبادة مشروعًا مقدّسًا؟!

أولًا: النصوص الدينية... حين يُختلق الرب على صورة القاتل

في التوراة (العهد القديم)، نجد عشرات النصوص التي تنسب إلى "الرب" أوامر دموية مرعبة:

> "اذهب واضرب عماليق، وحرّم كل ما له، ولا تعفُ عنهم، بل اقتل رجلًا وامرأة، طفلاً ورضيعًا..."
(صموئيل الأول 15:3)



> "حرّموا كل ما في المدينة، من رجل وامرأة، طفل وشيخ، بقر وغنم..."
(يشوع 6:21)



هذه النصوص — سواء فُهمت مجازًا أو حرفيًا — شكّلت نواة الفكر الصهيوني لاحقًا، الذي رأى أن الله أعطى "حقًا مقدسًا" لشعبه بأن يقتل من ليس منهم، وأن يستولي على الأرض بما فيها، ومن فيها.

في المقابل، يأتي القرآن الكريم برسالة نقيضة:

> "ولا تعتدوا، إن الله لا يحب المعتدين" (البقرة: 190)
"من قتل نفسًا بغير نفس أو فسادٍ في الأرض، فكأنما قتل الناس جميعًا" (المائدة: 32)
"وإن جنحوا للسلم فاجنح لها" (الأنفال: 61)



الفرق واضح:
الإله في القرآن رحيم، عادل، لا يُشرعن القتل، ولا يأمر بإبادة الرُضّع، ولا يمنح الأرض بالمذابح.

ثانيًا: من النص إلى المدفع — الإبادة الاستعمارية

حين غزا الأوروبيون القارتين الأمريكيتين، لم يأتوا فقط بطمع الذهب، بل جاؤوا بفكرة أن الرب باركهم، ووهبهم الأرض الجديدة.
فأبادوا أكثر من 80 مليون إنسان من السكان الأصليين، باسم "التقدم"، و"الخلاص"، و"التنصير".

ثم تكرّر النموذج...
في فلسطين.

جاءت الصهيونية بذات العقلية:

نحن "شعب الله المختار"،

الرب وعدنا بهذه الأرض،


إذن، من يسكنها اليوم هم "غرباء"، "متوحشون"، "أعداء"، يجب محوهم.


وهكذا، نُفّذت النكبة والنكسة والمجازر،
ثم قيل: هذا وعد الله!

ثالثًا: الصهيونية وربّها الحربي

منذ تأسيسها، لم تكن "إسرائيل" دولة مدنية، بل مشروعًا توراتيًا عسكريًا.
بن غوريون قالها بوضوح: "التوراة ميثاقنا، ونحن نأخذها حرفيًا."
ومنذ ذلك اليوم، صار القتل سياسة، والتوسع دينًا، والحصار عقيدة.

غزة تحت الحصار منذ 18 عامًا،

يتم قصف الأطفال والنساء، ثم يُقال: "حق الدفاع عن النفس."

يُجَوَّع الشعب، ثم يُصوَّر في الإعلام كعدو إرهابي.


أيها الأحرار،
هذا ليس دينًا، ولا ربًا، ولا وعدًا إلهيًا،
هذا مشروع قتل مقدّس… بصناعة بشرية.

رابعًا: خطاب إلى الضمير

أيها الناس...
هل يمكن لعاقل أن يصدّق أن الرب يأمر بقتل رضيع؟
هل من المعقول أن يُرسل الله عبادًا ليقتلوا عبادًا، لأنه "فشل" في هدايتهم؟
أليس هذا افتراءً على الإله، وتمجيدًا للقاتل، وتطهيرًا للمحتل؟!

الرب لا يرسل قتلة.
الرب لا يوزّع الأرض كالجوائز.
الرب لا يتناقض، ولا يُشرعن الظلم.

ما نراه اليوم في فلسطين، وفي كل أرض محتلّة، ليس قدرًا، بل مخططًا وُضع باسم الرب، كي يُسكتوا ضمائرهم، ويقنعوا ضحاياهم أنهم يستحقون الموت.

لكن الحقيقة لا تموت.

والرب، الإله الحقيقي، لا يُعبد إلا بالعدل،
ولا يُمثل إلا بالرحمة،
ولا يُقبل أن يُشوه باسمه التاريخ، أو تُبرَّر باسمه المجازر.

اختم واقول :

علينا اليوم أن نكسر هذا القناع الكاذب،
أن نعيد تعريف الإله، لا كما كتبوه في كتب الاستعمار، بل كما نعرفه بالفطرة:
رحيم، عادل، لا يُرسل قتلة، بل أنبياء،
ولا يُحرق المدن، بل يُنير العقول.

وليعلم كل من يتستر بالإله ليقتل،
أنه ليس يعبد الله...
بل يعبد دمويته، مغطاةً بالنص.