كنوز نت - بقلم الكاتب الفنان: سليم السعدي


الاستعلاء الإداري... حين يصبح الموظف دولة فوق الدولة
بقلم الكاتب الفنان: سليم السعدي

في كثير من الدوائر الحكومية في عالمنا العربي، تصادف المواطن المتواضع الذي يبحث عن حقه المشروع، فيُفاجأ بجدارٍ عالٍ من التعقيدات والعقبات، ليس بسبب القانون، بل بسبب الموظف الذي اختزل الدولة في شخصه، فبات يمارس نوعًا من "الاستعلاء الوظيفي"، وكأنما المنصب قد خوّله أن يكون الآمر الناهي، وصاحب السلطة العليا، يفسّر القوانين كما يشاء، ويُشرّع منها ما يتناسب مع مزاجه أو تصوراته المحدودة.


هذا المشهد يتكرر كثيرًا، خصوصًا في مكاتب الضرائب، والدوائر المرتبطة بشؤون المواطنين كالمعاشات، والتراخيص، والتأمين الصحي، وغيرها. تجد بعض الموظفين لا يكتفي بعدم المساعدة، بل يعمد إلى اختلاق عراقيل لا أساس لها، أو يطلب أوراقًا لا حاجة لها، فقط ليُشعِر المواطن بأن لا شيء يتم دون موافقته أو رضاه.

هذه الممارسات لا تندرج تحت خانة الاجتهاد، بل تحت خانة الاستبداد البيروقراطي، وهي تنم عن خلل أخلاقي وثقافي، قبل أن تكون إدارية. إنها تعكس غياب الرقابة، وانعدام المحاسبة، وربما تدل أيضًا على غياب الشعور بالانتماء الحقيقي إلى رسالة الوظيفة العامة، التي جوهرها خدمة الناس، لا التسلط عليهم.

في المقابل، حين يتوجه المواطن العربي إلى دول غربية أو أنظمة أكثر انضباطًا، يلاحظ الفرق الشاسع: موظف يسعى لخدمتك، يسأل عن مشكلتك، يُرشدك، يتفهمك، ويعمل معك لا ضدك. لأن هناك منظومة تُلزم الموظف باحترام المواطن، وتجعل من القانون خادمًا للعدالة لا سوطًا على رقاب الناس.

المطلوب اليوم ليس فقط إصلاح الإدارات، بل إصلاح العقليات، وتثقيف الموظف بأن خدمته للناس شرف، لا استعلاء، وأن وظيفته ليست أداة لفرض الذات، بل مسؤولية وطنية وأخلاقية لا تقل أهمية عن أي عمل آخر في بناء الدولة.