
كنوز نت - بقلم الكاتب والمفكر : سليم السعدي
العقل والحكمة... ميزان الإنسانية
بقلم الكاتب والمفكر : سليم السعدي
في زمنٍ تتعالى فيه الضوضاء ويختلط فيه الحق بالباطل، تُطرح أسئلة وجودية عميقة قد تبدو بسيطة في ظاهرها، لكنها تحمل في جوهرها أعظم التحديات الفكرية والأخلاقية: هل تمتلك الحكمة ضميرًا؟ وهل للعقل إنسانية؟ وهل يمكن أن يستقيم الإنسان ما لم يجمع بين الاثنين؟
سأل العقل ذات يوم الحكمة قائلاً:
"هل فيكِ إنسانية أو ضمير؟ أم أنكِ مجردُ صوتٍ باردٍ يحكم ولا يتأثر، يزن ولا يشعر؟"
فأجابته الحكمة بهدوء العالمين:
"الحقيقة أن عليّ أن أطرح عليك هذا السؤال يا عقل، فأنت من يُصدر الأحكام، وأنت من يُدير القرار. أما أنا، فدوري أن أضيء لك الطريق لتسلكه إن شئت."
ثم تابعت:
"من الحكمة أن نوازن بين الأمور، وأن نُعطي كل ذي حقٍّ حقه.
أن لا نميل مع الهوى ولا نخضع للعاطفة المنفلتة، بل أن نُقيم العدل، وإن كان على أنفسنا.
وحين يُطلب منك يا عقل أن تُثبت حكمتك، فعليك أن تحكم بالعدل، وتزن بالبصيرة، وتضمّ إلى منطقك شيئًا من الرحمة.
ذلك الجمع النادر، هو ما يُسمّى: الإنسانية."
إن العقل إذا تجرد من الحكمة تحوّل إلى آلة باردة، تُبرر القسوة وتُجيز الظلم باسم المنطق والمصلحة.
والحكمة إن خلت من العقل، باتت تأملًا فارغًا لا يملك قوة التغيير ولا قدرة المواجهة.
أما إذا اجتمع الاثنان في إنسانٍ واحد، عُرف بالاتزان، وامتلك سرّ الاستقامة.
العدل دون إنصاف يُفضي إلى الظلم، والرحمة دون ميزان تُفضي إلى الانهيار.
والإنسان الحق هو من جمع بين عقل يُبصر، وحكمة تُرشد، وضمير لا ينام.
فإن اختلّ هذا التوازن، ضاعت القيم، وانقلبت الموازين، وفقد الإنسان إنسانيته.
لهذا، فإننا حين نسأل عن الضمير، يجب أن لا نبحث عنه في الآخرين فقط، بل في أنفسنا، وفي قراراتنا، وفي ميزاننا الداخلي الذي نحتكم إليه في لحظات الاختبار.
وفي نهاية المطاف، لا قيمة لعقلٍ بلا حكمة، ولا لحكمةٍ بلا ضمير، ولا لإنسانٍ بلا إنسانية.
07/07/2025 07:22 pm 57