كنوز نت - بقلم الكاتب والباحث : سليم السعدي


من كعبٍ في الصخرة إلى عصفورةٍ حملت الحجر:
 حين تتحول الأسطورة إلى مشروع استيطاني

بقلم الكاتب والباحث : سليم السعدي

مقدمة:

في زمن باتت فيه الخرافة أداة سياسية، والرموز الدينية مطية للاحتلال، نجد أنفسنا أمام روايات هزيلة تُقدّم على أنها "حقائق تاريخية" من أجل خدمة مشروع استيطاني صهيوني ممنهج.
إحدى هذه الروايات المتداولة مؤخرًا تزعم وجود صخرة في شمال فلسطين تحمل أثر كعب النبي شعيب عليه السلام الذي عاش وترعرع في صحراء مديان ز، وهي مقدسة عند أبناء الطائفة الدرزية. ثم تظهر فصول المهزلة حين يأتي حاخامات من الولايات المتحدة، ويزعمون أن الأثر هو في الحقيقة لقدم النبي موسى عليه السلام، في تناقض صارخ مع الروايات التوراتية والإسلامية التي تُجمع على أن موسى وشعيبا لم يطأ أرض فلسطين.

وعندما يُسألون عن هذا التناقض، يكون الردّ أغرب من الخيال: رواية تقول إن "عصفورة وابناءها" حملوا الصخرة من سيناء إلى شمال فلسطين… وهكذا، تُولد الأسطورة لتخدم مشروعًا استيطانيًا بغطاء ديني.

تهويد الرمز: من الأثر إلى الأرض

مقام النبي شعيب في الجليل الأعلى له خصوصية دينية لدى الطائفة الدرزية، ويُقال إن صخرة فيه تحمل أثر قدم النبي. ومع أن هذا الاعتقاد جزء من تراث ديني داخلي لا صلة له بالصراع، إلا أن تحويله إلى مادة نزاع ديني وسياسي من قِبل الحاخامات الصهاينة يفضح نوايا أعمق.
ليس الهدف هنا تكريم النبي أو تقديس الأثر، بل تهويد الموقع، ثم ربطه برواية "توراتيّة" وهمية، لتُصبح الصخرة لاحقًا دليلًا دينيًا يدعم الزعم بـ"الحق اليهودي" في الأرض.

وهكذا يتم السطو على الرموز، ومن ثم على الأرض. وما الأثر إلا مدخل لشرعنة السرقة أمام العالم.

العصفورة: أسطورة بحجم مشروع استيطاني


حين يُقال إن "عصفورة وابناءها" حملوا صخرةً من سيناء إلى الجليل، فقط لأنها تحمل أثر كعب النبي موسى عليه السلام، فإننا لا نتحدث عن خيال ديني بسيط، بل عن أسطورة تُصاغ بعناية لخدمة مشروع تهويدي.

ليست الفكرة هنا عبثية بقدر ما هي موجهة: نقل الصخرة يُساوي - رمزيًا - "نقل" الحق، ونسب الأثر إلى موسى يعني تبرير الحضور اليهودي في المكان، حتى ولو لم يطأ موسى الأرض يومًا.
بهذه الحيلة، تُمنح "شرعية دينية" لحضور لم يكن، وتُخلق ذاكرة مختلقة لتُبرر سرقة الأرض.

بين التهويد والتزوير: المشروع الحقيقي

هذه الروايات ليست بريئة. إنها جزء من مشروع طويل الأمد بدأ مع الحركة الصهيونية التي لطالما استخدمت الرموز الدينية والأماكن المقدسة لفرض واقع سياسي بالقوة، متسترة بلباس الإيمان.
كل خطوة استيطانية تُمهَّد بسردية، وكل موقع يُراد تهويده تُنسج حوله أسطورة، وكل شجرة وجدار في فلسطين بات معرضًا للسطو الروحي والمعنوي.

الرواية الدينية هنا لا تخدم الإيمان، بل تُستخدم كسلاح استعماري لقتل الحقيقة، وتزييف ذاكرة الشعوب، وسرقة ما تبقى من الجغرافيا.

خاتمة: بين الأسطورة والحقيقة

حين تتحول الخرافة إلى سلاح، ويُستبدل التاريخ بالأسطورة، وتُدار العقول بأوهام الطيور والحجارة، فإننا أمام مشهد عبثي يعكس انهيار القيم والأخلاق لدى منظومة الاحتلال.
ما يحدث ليس مجرد تهويد لمقام أو صخرة، بل هو تهويد للعقل، ومحاولة لشرعنة الاحتلال عبر بوابة الدين، في أقبح أشكال الاستغلال والابتزاز.

إنها مهزلة، ولكنها مهزلة مدروسة، يُراد بها أن تنطلي على العالم.

سليم السعدي
كاتب وباحث
فلسطين