.jpg)
كنوز نت - بقلم: رانية مرجية
مسيحيو الشرق: ملح الأرض ونورها
بقلم: رانية مرجية
هل كُتب على مسيحيي الشرق أن يظلوا دائمًا بين سندان الطمس ومطرقة التهميش؟
وهل يُعقل أن نُقصي من كان حجر الأساس في بناء نهضتنا العربية، من المدارس إلى الجامعات، ومن المطابع إلى المعاجم، ومن الكنائس التي كانت منارات علم إلى السجون التي دخلوها شهداء حرية؟
إن الحديث عن مسيحيي الشرق ليس ترفًا فكريًا ولا استعراضًا تاريخيًا. إنه التزام وجودي. لأن من ينكر جذورهم، ينكر وجه الشرق الحقيقي، ويغتال ذاكرة الأمة.
من جبران خليل جبران الذي خطّ لنا الإنجيل بأبجدية الوجدان، إلى نازك العابد التي رفعت العلم السوري بوجه الفرنسي، ومن خليل السكاكيني الذي نادى بعقلنة الإيمان، إلى إميل حبيبي الذي قال: “أنا الحاضر الغائب”، كأن لسان حالهم جميعًا يقول: نحن هنا، لا كزينة في الفسيفساء، بل كأعمدة في الهيكل.
✦ الشهادة بالدم والنور
لم يكن مسيحيو الشرق يومًا أقلية تبحث عن شفقة، بل أكثرية قيمية صنعت الأمل في أحلك الأوقات.
هم الذين كتبوا أول الصحف، وأنشأوا أول المدارس، وتقدموا الصفوف في الثورة الكبرى، وفي الدفاع عن بيروت وغزة وبيت لحم.
هل ننسى أن الشيخ والراهب نزفا الدم ذاته في كنيسة القيامة خلال الانتفاضة الأولى؟
أو أن الصليب والهلال تحالفا في سجن عكا قبل أن يتشاركا النشيد ذاته في الميادين؟
✦ الطائفة… أم الأمة؟
لا يمكن أن نفهم إسهام مسيحيي الشرق إن حصرناهم ضمن الطائفة. فهُم طليعة فكرية، لا طائفة دينية فقط.
لقد ساهموا في نشوء الهوية العربية الجامعة، لا ليفرضوا عقيدتهم، بل ليرفعوا من شأن الإنسان.
في بغداد، في القاهرة، في القدس، في دمشق، وفي يافا، كان حضورهم أشبه بضمير حيّ للأمة.
لكن، كيف لنا أن لا نخاف اليوم، حين نرى الهجرات، والتفريغ المتسارع، والألسنة التي تُشيطنهم وتختزلهم بـ”الغرباء عن الشرق”؟
أي جهل هذا الذي يُصادر منهم انتماءهم لأنهم ليسوا على مذهب الأغلبية؟
ومَن هذا الشرق الذي يتنكر لكتّابه، وشعرائه، وأطبائه، وفنانيه، ومدافعيه عن فلسطين لمجرد أنهم مسيحيون؟
✦ من أجل شرق لا يُقصي أحدًا
إن الدفاع عن مسيحيي الشرق ليس مهمة المسيحيين وحدهم. بل واجب كل حرّ يرى في التعددية ثروة روحية، لا تهديدًا أمنيًا.
نحن لا نكتب عن الماضي، بل عن الحاضر الذي يُستباح والمستقبل الذي يتبخر.
نحن لا نناشد بالرحمة، بل نطالب بالعدالة.
نحن لا نقبل بالشعارات الفضفاضة، بل نُصرّ على دولة المواطنة، لا دولة الطوائف، على مجتمع يصغي لا يقصي، يُشرك لا يُفرّق.
✦ صرخة لا تنطفئ
أكتب لا لأنني خائفة عليهم، بل لأني خائفة علينا من خسارتهم.
أكتب لأنني ابنة الرملة، حيث الكنيسة والجامع يتهامسان في الفجر.
أكتب لأنني آمنت دومًا أن الشرق لا يُنقذ إلا حين يعترف بكل أبنائه، مسلمين ومسيحيين، دروزًا ويهودًا عربًا، بصفتهم بشرًا لا أرقامًا، وأصواتًا لا صدى.
أكتب لأن المسيحية في هذا الشرق، ليست عقيدة فحسب، بل رسالة حب ومقاومة وفكر وإنسان.
وإن ضاعت هذه الرسالة، ضاع الشرق نفسه
23/06/2025 04:34 pm 54