كنوز نت - الخيليل

قراءة في ديوان شعر من رحم الوجع للشاعرة المغربية فاطمة الجلاوي
اعداد د.إدريس جرادات
مركز السنابل للدراسات والتراث الشعبي –الخليل-فلسطين
       صدرت الطبعة الاولى لديوان من رحم الوجع للشاعرة المغربية رئيسة فرع الحوز لرابطة كاتبات المغرب فاطمة الجلاوي من مراكش في المغرب العربي عن المطبعة والوراقة الوطنية في المغرب سنة 2023م ، ويقع الديوان في 120 صفحة من القطع المتوسط ، وأهدت الشاعرة حروف روايتها الى :روح والدها ، كما أهدت الى والدتها ، وفي كلمة الشكر اشارت الى كل الايادي التي أهدتها مشاعل نور أضاءت مسارها في البحث، وضم الديوان 30 قصيدة.
     الفكرة العامة للديوان تدور حول الفقد والألم وصعوبات التنقل والعمل والخوف وآلام الحياة ومصاعبها والتأثر بالبيئة الصحراوية وشظف العيش وفقدان الأمن والأمان فيها ، والعودة الى المناطق الحضرية واختلاف نمط وطريقة العيش وعمل الشاعرة في مجالات متنوعة بجانب الدراسة تلبية لمتطلبات الحياة ومنغصاتها .
   استخدمت الشاعرة الرموز والصور اللاشعورية والعبارات الفلسفية والمفردات الشعبية حيث عانت من صعوبة الحياة وظهر بوضوح في الحديث عن الأنا. والصراعات النفسية والرهاب الاجتماعي )عينان تفجر دونهما بركان. ،نظراتُك ! ! تراقص نغمات الكون ،على ايقاع ذبذبات روحي ) وظهر: في شامة القصيدة : وضعت يديها على فمها في غنج واستحياء في بيت القصيد يراودها الإغراء ) وأما الاحلام والتخيلات فهي بلا حدود كمن يبحث عن فارس أحلامه في عالم مليء بالمتناقضات والمنغصات والتحديات )نظرة، همسة، سرمدية للوجود ،رُؤية من زاوية أخرى بل حفل توقيع يوثق الحياة الخالدة ،وبَصْمَتُها) و كذلك في قصيدة لا ترعبني أوردت : (عَشق أنثى قزم ،يتعرقني !!! فكلما فاض شوقه ،لقبلةِ ثَغر،يبس من الهَلع )
 وبخصوص اللغة والاسلوب الذي استخدمته الشاعرة الشعر الحر بالتمرد على القصيدة الكلاسيكية من حيث الوزن والتفعيلة والجرس الموسيقي والقافية ، فهي قصيدة نثرية كما في قصيدة أديم الغربة ويضحك اليتيم، والفقير في كل البلاد . ويرجع اللاجئ إلى وطنه بدون اضطهاد ) لكنها ربطت النص بحياتها الشخصية وتجربتها العملية والممارسات اليومية من روتين العمل والمنزل وتعايشها نع مشاكل العامة :(أنت هنا .. نواة غرسها القدر في طريقي.) ،و ( القصيد لبس هندام الجنون ،والقوافي لبست الحداد).
        عاشت الشاعرة طفولة صعبة :(يغري عشاق قيثارة الشعر.لا أنوي اغتصاب حُلمك ،فقط أقرأ نظراتِك ،بين ملايين النظرات.) من فقد دائم أالى فقد مؤقت كما في قصيدة عمائم الريح : (صام عن الكلام . ،يزمجر خطيب الرعد ،غاضبا.) وتعرضت لصدمات كبيرة :( أعشق روح الأبرار ولا أنوي اغتصاب حُلمك كما ورد في قصيدة الغبش : ( أي عقيدة هذه تبيح إدانة السلام في دواخل الذات ؟. )

     ولم تبح بعلاقاتها العاطفية وكانت تعاني من الرهاب الاجتماعي وجو الأسرة الصوفي حيث تربت ونشات في كنف اسرة صوفية اكتسبت عاداتها وتقاليدها وطقوسها وسلوكياتها منها ويظهر في قصيدة صرخة صمت تذكر الشاعرة :(تَعانقني أمواج الشوق ألامس طيفَك. أُغمض عيني ) وكذلك عبرت عنه بوضوح في قصيدة روزا الوتين: القصيد جمر ،على ظهر الليل ،يُشفيِ عين الكبد ،يخفي حبا جبارا .والروز ورد جميل يزرع في الحدائق أزهاره جذابة
          حاولت التغلب على كبت اللاوعي الجمعي لمجالات الشر ومسبباته : (رُسمت بمداد العطش. إطارها .. قفصٌ صدري ،غائرٌ أجوف) وفي قصيدة الغبش : ( بين همس اليراع ،وصدر الورق ،دُفن سر الغبش ،مكبَّل اليدين بسلاسل الآخر ،أسيرَ تمردٍ صامت .. أُعلِنُ ثورتي عليك وكبت الرغبات والتحول ال الحب الصوفي .
       وأما الهوية والذات تمردت عليها في مرحلة التقدم في العمر بعد نضوج الخبرات والقدرات والمهارات (أتحرر من طيش سحابة هاربة ،من طيات زمن الأسطورة حافية القدمين وورد وفي قصيدة تائهة :( تائهة .. في أرض الأحلام ،تائهة أنا ) وفي قصيدة تريثي سيدتي : ( أنا لست شاعرا ينظم عقد الكلمات يزين جيدك والخَصْر بالمغريات .. ولا غنيا يَفْرِشُ الأرض حريرا وزُمُرُّدات .) ولكنها تعاني من القلق والتوتر وتمر بمرحلة الكآبة احيانا ومرحلة الانبساط أحيان أخرى فهي تراوح بين المرح والسرور والحزن والالم الشديد احيان اخرى : (تلسعني حرارة العبث. ،ببطء) كما ورد في قصيدة عيون ايبسها القدر ( فتحترق دمعتك المبتسمة تخلد نبيذ العاشقين ،وتحملني بلا أريج ..بلا ضجيج .. أعيد ترتيب الماء) وكما ورد في قصيدة افولي : ( لن ألوم جحود الحب ،في غنج وعجرفة ،ولكنها تتفاعل مع المتلقي :(لا تطرق باب الجسد ،لا تستعير العري ) ، ( لن أخط حرفا ،يكشف سوءة الكلمات ،في لحد المغيب ). ورفرف بالروح في سماء الحب ،تغازل شوقَ السفر نحو الأعلى ،والانعتاق من سجن الجسد ،رحيلٌ إلى اللامكان ،حلمٌ زكي ) كذلك (حدادي عليك يا ابن آدم بلغ منتهاه يوما أو بعضه بدون أسف ولا رياء.وهذه تتحدث فيها عما يحدث من تغيرات في العالم العربي .
           كتمت مشاعرها تجاه الآخر ولم تبح بها واختزنتها في اللاشعور وكانت تعبر عنها برمزية في القصائد حيث غلب على طابعها النزعة الصوفية ،وورد في قصيدة فيض من نور (هناك .. التقيت بسيد الأمل يحمل زادا في حقيبة شمس) ، وفي قصيدة اغتراب عبرت الشاعرة قائلة : (غريبة .. شريدة.. بين أحضان أضلعي بعضي فقد كلي شوق أبحث عني فلا أجد الا ظلي ).
     كل التحية من الحاج الدكتور إدريس جرادات للشاعرة فاطمة الجلاوي ابنة المغرب العربي الناشطة رئيسة فرع الحوز لرابطة كاتبات المغرب على هذا الديوان وكله دلالات رمزية نفسية واجتماعية وتربوية ووظيفية وجمالية يفسرها القارى كل حسب تذوقه وفهمه للقصيد الشعري ،غلب على قصائدها الرمزية حيث تمردت فيها على الواقع وسطوته وخرجت الى عالم العالم الخارجي وتجاوزت وجع الفقد والحرمان بالمواجهة الشجاعة والصبر وقوة التحمل والتحلي بالقيم الايجابية والممارسات الفضلى بالتكيف مع واقع الحياة الأسرية والمجتمعية وفي العمل -حيث الشاعر ابن بيئته ويربط النص بها- وفي داخلها مشاعر جياشة لا تبوح بها وتكبتها في عالم اللاشعور لكن تعبر عنها بالرمزية ومفردات فلسفية ، وأوجه عناية السادة القراء الى اقتناء الديوان وتناوله بالتحليل والدراسة ، ونتطلع من الشاعرة الى درة نفيسة أخرى .مع تحيات د. إدريس جرادات.