تغريدة الشعر العربي.. (الشاعر حسين السياب أنموذجاً)

كنوز نت -  السعيد عبدالعاطي مبارك الفايد

ناقد | مصري

(مطرٌ على خد الطين)

الشاعر حسين السياب 

في توهجي 

القلوب كلها ترقبني، وأنا أُلونُ صباحاتي 

بعتمةِ قصائدكِ الخريفية..

بانطفاءِ العالم في وجهكِ، كأننّي أبتلعُ طوفاناً من الصمت الأزلي...

من بلاد الرافدين دجلة والفرات نتوقف مع الشعر وحكاية النخيل، حيث العشق الأزلي الذي ينساب مع الإنسان في عصور اتجاهات الأحداث من منظور التاريخ وحركة التجديد الشعري، منذ أنشودة المطر لبدر شاكر السياب رائد الشعر الحديث قصيدة (الشعر الحر) المرسل المطلق التفعيلة٠

و يأتي بعد السياب العظيم مجموعة من الشعراء، من ضمنهم "حسين السياب" الذي يقف على أعتاب أبواب (قصيدة النثر) في حلقة تجديد ريادي لا يتوقف مع فيضان بحور الشعر وموسيقاه العذب ولغته التي تنمو في تشكيل لحياة لا تنضب إبداعاتها.

أليس هو القائل:

الشعراء أنبياء 

رسائلهم محبة 

كتابهم أشعار 

صلاتهم قُبل 

نتوقف مع الشاعر العراقي حسين السياب رمز من رموز القصيدة العراقية الحديثة التي تتجلى في صورتها تحت عباءة النثر، تختصر مشاهد الحياة ترسم الحلم والوجع معاً من واقع تجربة المعاناة.

فهو صوت شعري له حضور وصدى يعكس لنا عشق الكلمات في رمزية تجسد رؤية ملامح هذه الفترة الفارقة والغاربة من دهاليز الصمت المباح في زوايا العمر الجميل.

والقصيدة صورة من قاموس يعج بمفردات تشرق من أغوار النفس في تجليات تكشف لنا انطلاقة الخيال التي تحصد مسافات العشق تحت ظلال نخيل الرافدين، مسلسل لا يتوقف في كبرياء..

مميز الصيغة والأسلوب والخصائص الفنية ذات الدلالات الجمالية التي لها بواعث توظيفية لمراحل القصيد بين المزج تصريحاً وغموضاً، ومن ثم تنمو القصيدة كالعشب الأخضر شباباً في بلاده.

نشأته:

ولد الشاعر حسين السياب في بغداد عام 1976

عضو في الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق.

أصدر أربع مجاميع شعرية:

بتوقيت القلب 2019

تسابيح الوجع 2020

عزف الرمال 2022 

مطرٌ على خد الطين 2024

إضافة إلى ترجمة إنكليزية أخرى.

 

مختارات من شعره:

في قصيدة بعنوان (أجنحة الضوء القادمة ) يمضي بنا الشاعر العراقي حسين السياب، حيث يستدعي حلقات من التاريخ ويبني على اطلاله الغاربة أمنيات تتدفق بالضوء في شعاع الأمل من جديد في حنين واغتراب ورسم صورة تفاعلية للذات وسط تجليات إشراقية لها حضور بهيج في النفس تستخلص من جذورها الحقيقة الغائبة مع خيوط الفجر بعد تلاشي الإرث القديم ومشهد صمت الشعراء، فيقول في مطلعها:

ريثما تُخفي السماء أسرارَ الليل

أدعوكِ عنوةً

حيثُ تتراقص أولى خيوطُ الفجرِ

وتسافرُ الريحُ محمَّلةً بعبقِ الكلمات 

هناك

بينَ أهدابِ الغيمِ الصامت

تلتقي الأرواحُ بالهمسِ القديم

تبوحُ بما لم يُقَلْ بعدُ

فتنثني على أطرافها

وترتجفُ أمام صمتِ الشعراء..

لا أصواتَ تُغني للموت

لا شموعَ تُضيء الغياب

ولا رسائلَ تصلُ

لا شيءَ سوى أنفاسنا

تعالوا، أيّها الرفاق

لنمشِ على ضفافِ اللحظة

حيثُ يرحلُ الحزنُ بلا أثرٍ

ويُشرق الأملُ كما تُشرق الشمسُ على وجوهنا.

وفي قصيدة بعنوان (بلادٌ محمّلةٌ بالقصائدِ) ينطلق شاعرنا السياب إلى فضاء عالمه بلا حدود، يرسم لوحاتها في مكاشفة فلسفية تأملية يختصر مشهد الحياة بين تزاحم الرؤى، في عفوية تعكس ملامح الاتجاهات التي تتمخض عنها الأحداث المتداخلة فيقول فيها: 

الرّبُّ ينتظرنا أيُّها العشاقُ

هناك

خلفَ السُحب التي لا تُمطِرُ

حيثُ مواسم البشائرِ

والصباحات التي تجمعُ بيننا

تضيءُ قلوبَنَا..

تلمُّ الغيمةَ المسكونةَ بالقصائدِ

جاءتْ تبوحُ بما حملتْ

فصدّتْ وجهَها ومن حزنِ شُعرائِها

خجلتْ وارتحلتْ..

لا نايَ يُغني للحزن

لا مشانقَ تُنصبُ للكلمةِ

لا أنبياءَ يطوفونَ فوقَ النهرِ..

تعالوا...

أيُّها الأحبة

الربُّ ينتظرُ 

ونختم بهذه القصيدة تحت عنوان (باب عطركِ الأخير ) حيث يستلهم عبق الحنين إلى تاريخ وحضارة وذكريات هذا الوطن المعذب في رمزية من خلال مغازلة محبوبته التي يأنس بأنفاسها التي تسري بين جوانحه لحظة عشق يفيض بشذى العبقرية من خلال بوابة التاريخ لقراءة فصول من العشق قائلاً:

لم يكن العالمُ حقيقياً معي

تنكرَ لي في لحظةِ

 اعترافٍ... 

حملَ على كتفيهِ عطرَ القرنفل

مضى كامرأةٍ تعرفُ طريقها

جيداً...

لم أحمل معي سوى ضجر الوقت،

وأحرف تتسكعُ في ضياعِ العمر...

كلُّ ما فيَّ كان يترنحُ

قصائدي الأولى ذابتْ على بابِ الشعر،

كتبتُها وأنا ثملٌ بكِ..

هي كانت كلَّ الصحوِ 

لأنها تولدُ من عينيكِ وطني

وسطر أمل

كنت أبحثُ عن ظلّي في انكسارِ الضوء

عن يقيني في فوضى الدروب

عن لحظةٍ لا يخونني فيها المعنى..

لم يكن العالمُ حقيقياً سيدتي

لكنه مرّ بي

كأنه حلمٌ ثقيلٌ

أو نداءٌ تأخرَ كثيراً عن الفهم..!! 

خاتمة:

هذه كانت قراءة متواضعة حول تجربة الشاعر العراقي حسين السياب الذي يختصر لنا رؤيته الشعرية في عملية الإبداع الفني، من خلال القصيدة النثرية وسط الدهشة لهذا العالم المركب والمبني على المتغيرات والتشابك في علاقة وثيقة بين الإنسان والحياة في ثنائية تجاذب وتصادم يظل يستنهض الحكمة في ثوبها الجمالي الذي يشرق في تجليات دائما٠