
كنوز نت - بقلم: رانية مرجية
سامر يرسم العالم بلونه الخاص”
- قصة للأطفال بقلم: رانية مرجية
في بلدة فلسطينية صغيرة تضيء لياليها قناديل الزيت وتُعطّر صباحاتها زهور البرتقال، وُلد طفل اسمه سامر. كان مختلفًا عن أقرانه… لا يتكلم كثيرًا، لا يحب الضجيج، وكان يقضي ساعات طويلة وهو ينظر إلى الغيوم أو يرسم دوائر ملونة لا يفهمها أحد سواه.
قالوا عنه “منطوٍ”، وقال آخرون “غريب”، لكن أم سامر، التي كانت تقرأ الحبّ في عينيه قبل أن تتعلم الكلمات من فمه، همست في قلبها:
– “ابني يرى العالم بطريقة لا نراها نحن، ولعلها أصدق.”
كان سامر يحب الألوان، لكنها لم تكن كما نعرفها. فالأحمر عنده ليس لون الدم، بل لون الحب. والأزرق ليس لون السماء فقط، بل لون الراحة والهدوء. وكان، حين يغضب، لا يصرخ ولا يضرب، بل ينزوي ويرسم عاصفة على ورقة، ثم يلوّنها باللون البنفسجي، وكأنه يقول للعالم: “أنا غاضب… لكنني لا أريد إيذاء أحد.”
في يوم من الأيام، جاءت المعلمة لينا إلى المدرسة، وكانت تحب الفن والموسيقى. لاحظت أن سامر لا يشارك كثيرًا، لكنه يرسم طوال الوقت. طلبت من الأطفال أن يرسموا “البيت”.
رسمت سارة بيتًا بطابقين وحديقة.
رسم عامر بيتًا فيه قمر ونجوم.
أما سامر، فرسم بيتًا بدون باب، لكنه محاط بالأزهار والضوء.
ضحك بعض الأطفال، لكن المعلمة ابتسمت وسألت سامر:
– “لماذا لم ترسم بابًا؟”
فنظر سامر نحوها، بعينين خجولتين، ثم كتب على الورقة:
– “لأن بيتي لا يحتاج إلى باب… من يعرف قلبي سيدخل من النور.”
صمت الجميع. لأول مرة فهموا أن سامر لا يحتاج للشفقة ولا للسخرية، بل للقبول.
فهموا أن التوحد ليس غيابًا، بل حضورٌ مختلف.
وأن سامر لا يعيش خارج العالم، بل يعيش في عالمه الخاص، ويحمل مفاتيح الجمال بلغة لا يسمعها إلا من يفتح قلبه.
منذ ذلك اليوم، بدأ الأطفال يقتربون من سامر، يتعلمون منه الصبر، ويشاركونه الرسم، لا بالكلام، بل بالألوان.
واكتشف الجميع أن سامر لا يحتاج إلى تغيير… بل نحن من نحتاج إلى أن نُغيّر نظرتنا.
هكذا صار سامر بطل المدرسة، لا لأنه صرخ أو ركض أو نافس، بل لأنه علمهم أن الصمت أحيانًا أبلغ من الكلام، وأن القلب المختلف… لا يقلّ جمالاً، بل يزيد الحياة عمقًا وصدقًا.
رانية مرجية
كاتبة فلسطينية – لأن كل طفل هو رسالة، وكل اختلاف هو شكل آخر من أشكال المعجزة
29/05/2025 10:39 am 365