كنوز نت - بقلم الباحث والكاتب والفنان: سليم السعدي


تل مجدّو... حين يُمنع الإعلام من توثيق الإرث الجماعي

  • بقلم الباحث والكاتب والفنان: سليم السعدي
تل مجدّو، أحد أعرق المواقع الأثرية في فلسطين التاريخية، يقف شامخًا على تلال الجليل الأسفل، حارسًا لذاكرة الشعوب، وشاهدًا على صراعات الحضارات التي مرّت من هنا. لكن، على الرغم من رمزيته وتاريخه الممتد لآلاف السنين، تعرّضت قناة "مساواة" المحلية للمنع من توثيق هذا الإرث تحت ذرائع إدارية، تثير القلق أكثر مما تُقنع
طاقم القناة، الذي حضر للموقع بهدف إعداد تقرير إعلامي عن أهمية هذا المكان كموقع تراثي وطني وإنساني، حصل مسبقًا على تذاكر الدخول الرسمية ودفع الرسوم المطلوبة، كما يتطلب الأمر لأي زائر عادي. لكن ما إن شرعوا بتجهيز معداتهم، حتى تلقوا تعليمات مباشرة بوقف التصوير، بحجّة ضرورة تقديم "طلب رسمي مسبق" – وكأن الإعلام الوطني لا يُعامل إلا كضيف غير مرغوب فيه في بلاده
إلى متى تُمنع الكاميرا من دخول التاريخ؟
ما حدث في تل مجدّو ليس استثناءً، بل هو جزء من نهج مستمر لمنع التغطية الإعلامية في مواقع يُفترض أنها مِلك الشعب، لا حكرًا على مؤسسة أو جهة أو سلطة ما. حين يُطلب من صحفيين مستقلين الحصول على "تصريح خاص" لتصوير موقع أثري مفتوح للعامة، يُطرح سؤال جوهري: من يملك رواية التاريخ؟ ومن يحق له أن يُصوّر وأن يُسكت؟

التل الذي لا يُروى
تل مجدّو ليس مجرد ركام من الحجارة القديمة، بل مركز روحي وتاريخي وثقافي، ارتبط اسمه بالعديد من الحضارات الكنعانية والمصرية والآشورية، بل وورد في النبوءات الدينية كـ"هر مجدون". هذا الموقع لا يجب أن يُترك حبيس الرواية الرسمية أو السردية السياحية المعلّبة. بل يجب أن يُفتح للإعلام، وللباحثين، وللشعب، ليُعاد إحياء الذاكرة الجماعية كما هي، بتعقيداتها وطبقاتها الغنية.
قمع التوثيق هو قمع للهوية
المنع ليس مجرد مسألة تنظيمية. إنه رسالة. حين يُمنع الإعلام من الوصول إلى موقع أثري، يُمنع الشعب من معرفة تاريخه، من رؤية ملامح ذاته الممتدة في الجغرافيا والزمان. هذا النوع من الرقابة، المتستّر بإجراءات إدارية، يهدد حرية المعرفة، ويشوّه العلاقة بين الناس وأرضهم
دعوة لإعادة الاعتبار
ما جرى مع قناة "مساواة" يجب ألا يمر بصمت. بل هو فرصة لمطالبة كل الجهات المختصة بإعادة النظر في سياساتها تجاه المواقع الأثرية، وتجاه الإعلام الحر. فتل مجدّو – وغيره من المواقع المشابهة – لا يحتاج إلى حراسة أمنية تمنع الكاميرات، بل إلى انفتاح وشراكة مع الإعلام والمجتمع، لحمايته من النسيان والتهميش
إننا في زمن تتعرض فيه الذاكرة للمحو، والثقافة للتسليع، والرواية للتشويه. وفي مثل هذا السياق، يصبح توثيق الأماكن الأثرية واجبًا وطنيًا، لا خيارًا بيروقراطيًا يُمنح أو يُمنع حسب المزاج
الكاميرا ليست خطرًا، بل أداة استعادة. والتاريخ الذي لا نرويه بأنفسنا، سيتحدث عنّا بلسان غيرنا