
كنوز نت - الكاتب الفنان: سليم السعدي
بيان إلى القيادة العربية في الداخل الفلسطيني: من إدارة البقاء إلى صناعة المستقبل
- الكاتب الفنان: سليم السعدي
تحية الوطن والبقاء،
في ظل تعمّق سياسات الإقصاء والتهميش التي يواجهها أبناء شعبنا في الداخل الفلسطيني المحتل، وفي ظل تصاعد مظاهر الانقسام، التفكك الاجتماعي، وغياب المشروع الجامع، نرى ضرورة توجيه هذا البيان إلى قياداتنا السياسية والمجتمعية، لإعادة توجيه البوصلة نحو مشروع وطني حقيقي، يُنقذ الهوية من الذوبان، ويعيد للفعل الجمعي مكانته ومهابته
إن حالة الفلسطيني في الداخل ليست مجرد "أقلية قومية" داخل نظام ديمقراطي كما تحاول المنظومة الإسرائيلية تصويرها، بل هي حالة شعب أصلي محذوف من الدستور، ومُقصى من معادلة السلطة والقرار، ومُهدد في لغته وأرضه وتاريخه ومكانته الإنسانية
انطلاقًا من ذلك، نطرح المبادئ التالية كأساس لأي نهوض قادم
أولًا: نحو مشروع وطني جامع
ندعو إلى بلورة مشروع وطني مستقل، يُعرّف الفلسطيني في الداخل خارج ثنائية الاندماج أو الانفصال، ويعيد الاعتبار له كجماعة قومية أصلانية، لها الحق في تقرير مصيرها الثقافي والاقتصادي والاجتماعي، ويضع حدًا لسياسات الأسرلة والهويات الفرعية
ثانيًا: جبهة مجتمعية ضد التفكك والجريمة
نقترح تشكيل جبهة شعبية موحدة، تضم القيادات، السلطات المحلية، مؤسسات المجتمع المدني، واللجان الشعبية، للتصدي للجريمة المنظمة، ولإعادة بناء الثقة داخل مجتمعنا المنكوب، عبر تفعيل المبادرات المحلية والتربوية وتحصين الأجيال الجديدة من ثقافة الخضوع أو الانعزال
ثالثًا: تفعيل الدبلوماسية الموازية
ندعو إلى مخاطبة العالم، لا بلغة الضحية فقط، بل بلغة القانون الدولي، وحقوق الإنسان، والحق الجماعي للأقليات الأصلية. لا بد من بناء علاقات تضامن مع الشعوب الأصلية والمضطهدة في العالم، وتوثيق التجربة الفلسطينية في الداخل كجزء من نظام فصل عنصري ممنهج
رابعًا: الاستثمار في الهوية الثقافية والمعرفية
نهيب بقياداتنا بدعم المراكز الثقافية والفكرية والفنية التي تُنتج سردية فلسطينية أصيلة، خارج القوالب الإسرائيلية، وتعيد الاعتبار للثقافة كوسيلة نضال طويلة الأمد، وكحاضنة للوعي الجمعي، عبر دعم الإنتاج المحلي في مجالات الأدب، السينما، المسرح، والفكر
خامسًا: تعزيز الاقتصاد المحلي والاستقلال النسبي
ندعو إلى بناء نماذج اقتصادية بديلة تقوم على التعاون، المشاريع المجتمعية، وصناديق الدعم الذاتي، لتقليل التبعية المطلقة للمؤسسات الاقتصادية الصهيونية، وتمكين المجتمع العربي من الاعتماد على نفسه في التوظيف، التطوير، والتنمية المحلية
سادسًا: المسار القانوني والتمثيلي
نقترح تشكيل هيئة قانونية دائمة للطعن في القوانين العنصرية، والدفاع عن حقوقنا الجماعية، محليًا ودوليًا. كما ندعو إلى تقييم أداء الجسم البرلماني العربي، والنظر في تشكيل جسم تمثيلي وطني موازٍ، يُعبر عن الإرادة الجمعية لشعبنا خارج القبة الصهيونية، دون المساس بحق العمل البرلماني ضمن استراتيجيات أوسع
سابعًا: تجديد القيادة وفتح الأفق للجيل القادم
ندعو إلى ضخّ دماء شابة في مواقع القرار، وتمكين المرأة والجيل الجديد من صناعة الخطاب السياسي والاجتماعي، وإعادة الثقة بالمؤسسات المنتخبة، عبر برامج تمثيلية شفافة، وآليات مساءلة حقيقية
ختامًا
إن التحولات من حولنا تتطلب قيادة لا تكتفي بإدارة اليوم، بل تُؤسس لغد مختلف
قيادة لا تتكيف مع شروط الإقصاء، بل ترفضها وتواجهها
قيادة تخرج من ضيق البرلمانات إلى رحابة الشعب، ومن رد الفعل إلى الفعل
"الداخل الفلسطيني ليس فائضًا بشريًا داخل دولة يهودية، بل نواة مشروع تحرر وطني ينهض من رماده"
صوتكم مسؤولية، وصمتكم خيانة للتاريخ
عن الموقعين: أبناء الداخل الفلسطيني الحر
الهوية المرفوضة: الفلسطيني في الداخل بين الحذف الدستوري والوعي المتعدد
مقدمة:
في قلب كيان أُقيم على أنقاض قراه المهجّرة، يعيش الفلسطيني في الداخل المحتل واقعًا وجوديًا لا يُشبه أي أقلية في العالم: ليس لاجئًا في الشتات، ولا مواطنًا في وطنه، بل كائن سياسي معلّق بين الاعتراف والنفي، بين الوطن الغائب والدولة الرافضة. لا أحد يشبهه، ولا دستور يحتضنه. هويته ليست موضع تفاوض، بل موضع استهداف
جريمة الحذف التأسيسي: الفلسطيني خارج وثيقة الولادة
منذ إعلان تأسيس "إسرائيل" عام 1948، بُني الكيان على مبدأ "الدولة القومية للشعب اليهودي"، لا كمجرد تعريف بل كمشروع إقصائي ممنهج. العربي الفلسطيني الذي بقي داخل حدود هذه الدولة لم يُدرج ضمن الهوية التأسيسية، بل عومل كمجرد "بقايا" لا كشريك، وكحالة أمنية لا ككيان إنساني
قانون القومية عام 2018 لم يكن سوى التصريح الرسمي بما كان مطبقًا فعليًا: لا اعتراف بالعرب كجماعة قومية، ولا بحقهم في تقرير المصير، ولا حتى بوجودهم في الذاكرة التأسيسية
وعي الهوية المركّبة: تنوع أم تمزق؟
يحمل الفلسطيني في الداخل هوية شديدة التعقيد، تتوزع على مستويات عدة
•فلسطيني قومي بجذوره التاريخية والوجدانية
•عربي ثقافي ضمن المحيط الإقليمي
•إسرائيلي قانونًا في الأوراق الرسمية
•حديث عالميًا تحت تأثير المدنية والعولمة
لكن هذا التنوع، في ظل تغييب سياسي وبنية فوقية عنصرية، لا يُنتج ثراءً بل صراعًا داخليًا دائمًا بين الانتماء والاضطرار، بين الأصل والواقع المفروض
الأسرلة الناعمة والعزل الصلب
مارست إسرائيل إستراتيجية مزدوجة منذ بداية احتلالها
•عزل الفلسطيني عن امتداده العربي والفلسطيني بمنع التواصل، وسن قوانين تمنع عودة اللاجئين
•محاولة دمجه ضمن نظامها كمواطن منقوص الحقوق، لتصويرها كدولة "تعددية
هذه السياسة ولّدت مسارات متباينة
•من ذاب في مشروع الأسرلة بحثًا عن النجاة الفردية
•من تشبث بهويته رغم التضييق
•من انسحب إلى الهويات الفرعية (درزية، بدوية، محلية...) نتيجة ضغوط التجنيد والعزلة
المأزق السياسي: غياب المشروع الجامع
رغم وجود أحزاب عربية وهيئات منتخبة، لم يخرج إلى النور حتى الآن مشروع جامع يُعرّف الفلسطيني في الداخل خارج منطق الردّ على الآخر
الأحزاب انقسمت بين
•من يطالب بالمساواة المدنية داخل دولة يهودية
•من يرفع الهوية القومية الفلسطينية كمرجعية
•من يربط الدين بالهوية الوطنية
في هذا الفراغ، غاب الصوت القادر على صياغة تعريف مستقل للمواطن الفلسطيني في الداخل، لا يتوسل الاعتراف ولا يستنسخ خطابات الشتات أو الضفة
نحو هوية ثالثة: الإنسان الفلسطيني كرمز كوني للرفض والبناء
ربما آن الأوان للتفكير بهوية لا تعترف بتعريفات الدولة، بل تتجاوزها
•هوية تستند إلى الانتماء للأرض واللغة والذاكرة، لا للوثائق والحدود
•هوية تُدرك أن التهميش ليس هزيمة، بل دعوة للصياغة الجديدة
•هوية تعي أنها لُبّ الصراع، لا هامشه
بهذه الرؤية، يصبح الفلسطيني في الداخل ليس فقط ضحية سياسات الإلغاء، بل فاعلًا معرفيًا وثقافيًا قادرًا على إنتاج مشروع بديل، يُلهم مجتمعات المقموعين حول العالم
خاتمة
الهوية ليست بطاقة تُمنح، بل نَفَس يُصاغ في مجرى النفي
الفلسطيني في الداخل ليس ابن ثنائية الدولة أو اللاجئ، بل كائن ثالث
"منفي في أرضه، محذوف من دستوره، لكنه يحمل بذرة مشروع يعيد تعريف الوجود لا عبر الاعتراف بل عبر الفعل"
سليم السعدي
كاتب وباحث فلسطيني من الداخل المحتل، مهتم بقضايا الهوية والمقاومة الثقافية
10/05/2025 08:26 am 50