
كنوز نت - بقلم: رانية مرجية – الرملة
غزة تُباد ونحن نصفّق للخراب بصمتنا
بقلم: رانية مرجية – الرملة
⸻
كلُّ يومٍ أفتح عينيّ على أخبارٍ تقتلني أكثر من رصاص الاحتلال. كلُّ صباحٍ في الرملة، تُطالعني صُور أجسادٍ صغيرة تُنتشل من تحت الركام في رفح وخان يونس وغزة، فيما العالم يواصل حياته كأن شيئًا لم يحدث. وأعترف – وأنا ابنة هذا التراب المدموغ بالحزن – أني بتُّ أشعر أننا وصلنا إلى نهاية الأخلاق.
هل تعلمون ماذا يعني أن تُقصف خيمة؟
هل تدركون فداحة أن يهرب طفل من الموت ليجده في خيمة النازحين؟
هل سمعتم بأُمٍ كانت تُرضع طفلها في إحدى المدارس حين انقلب سقف الصف عليها؟
نعم، نحن نعيش نكبة مستمرة. نكبة في الضمير، في التغطية الإعلامية، في الكلمة التي لا تُقال، في الصورة التي تُطمس، في صمت السلطة، في عجز العرب، وفي النفاق الدولي. نحن نعيش نكبةً لأن الضحية مطالبةٌ دوماً بتفسير وجودها، بينما يُبرَّأ الجلاد ويُمنح حصانة الديمقراطية والحقّ في الدفاع عن النفس!
فلسطين اليوم لا تسأل عن الشرعية الدولية، لأن الشرعية ماتت تحت قصف دير البلح. فلسطين لا تطلب بيان إدانة، بل صرخة ضمير حرة.
فلسطين اليوم تقول: أوقفوا هذا الجنون، أو لا تدّعوا الإنسانية بعد الآن.
⸻
أمس، استيقظت الرملة على جنازة شابٍ غادر إلى غزة، وعاد محمولاً على الأكتاف.
ومساءً، كنا نبكي ابن حيفا الذي قُتل في نابلس على يد مستوطن.
وفي المساء ذاته، أعلنت المستشفيات في القطاع أنّها عاجزة عن استقبال المزيد من الجرحى.
هل تعرفون ماذا يعني أن يُقصَف مستشفى؟ أن تتحوّل الأسرّة إلى قبور؟ أن تتحوّل غرفة العناية المركّزة إلى مسلخ؟
إنه ليس فقط جريمة حرب، بل جريمة ضد الله، وضد الحق، وضد الحياء.
⸻
أكتب الآن، وأكاد أختنق من رائحة الخراب.
هل تتنفسون مثلي هذا الرماد؟ هل تسمعون معي أنين الرضع من شقوق الجدران؟
هل ما زلنا نعيش على نفس الكوكب؟
أم أن غزة في كوكب، والعرب في مؤتمر؟
⸻
ليتني أستطيع أن أصرخ أكثر. ليتني أستطيع أن أمدّ يدي فأنقذ أمًا تُجهّز كفن ابنها بدموعها.
ليتني لا أكون ابنة هذا الزمن الذي صارت فيه الإنسانية وجهة نظر، وصار فيه الفلسطيني يُدان لأنه ما زال على قيد الحياة!
لا تنتظروا منّي التفاؤل.
في زمنٍ تُباد فيه مدينة على الهواء مباشرة، ويصفّق البعض تحت الطاولة، لا مكان للحياد، ولا جدوى من التحليل البارد.
فإما أن تكون مع غزة، أو مع القتلة.
وإن كنت لا تملك إلا قلبًا ينبض، فليكن ذلك القلب على الأقل مكانًا نظيفًا لا يستضيف تبريرات المجرمين.
⸻
غزة لا تطلب المستحيل.
غزة فقط تسأل:
من بقي في هذا العالم كي يقول كلمة “كفى”؟
⸻
رانية مرجية
ناشطة، كاتبة فلسطينية من الرملة
26 حزيران 2025
26/06/2025 01:55 pm 25