
كنوز نت - بقلم الكاتب والفنان: سليم السعدي
زيارة السفير الأمريكي إلى مزرعة "البقرات الحمراء": دلالات دينية وتداعيات خطيرة
بقلم الكاتب والفنان: سليم السعدي
في خطوة أثارت الكثير من التساؤلات والقلق، قام سفير الولايات المتحدة لدى إسرائيل بزيارة مزرعة تحتضن خمس بقرات "حمراوات" نادرة، وسط اهتمام غير مسبوق من جماعات دينية يهودية متطرفة ترى في وجود هذه الأبقار علامة إلهية تُنذر باقتراب بناء "الهيكل الثالث". هذه الزيارة، وإن بدت في ظاهرها بروتوكولية أو ثقافية، تحمل في طياتها أبعادًا لاهوتية وسياسية شديدة الحساسية، تستدعي الوقوف عند خلفياتها ودلالاتها.
البقرة الحمراء في العقيدة التوراتية والتلمودية
تحتل "البقرة الحمراء الكاملة" مكانة مركزية في النصوص الدينية اليهودية، خصوصًا في سفر العدد (الإصحاح 19) وكتب التلمود، حيث يُعتقد أن حرق بقرة حمراء خالية من أي عيب أو شعرة بلون مختلف، واستخدام رمادها، هو شرط ضروري لتطهير بني إسرائيل من نجاسة الموت، وبالتالي تمكينهم من دخول "جبل الهيكل" وبناء المعبد.
البقرة يجب أن:
•تكون حمراء بالكامل دون أي شعرة بلون آخر
•لم تخضع لأي عمل أو نير
•تُحرق بشكل كامل ويُستخدم رمادها في طقوس التطهير
وفقًا للتقاليد، لم تظهر في التاريخ سوى تسع بقرات حمراء، والمنتظر هو ظهور البقرة العاشرة في زمن "الخلاص" وبناء الهيكل المنتظر .
الجماعات الدينية المتطرفة ومشروع الهيكل
ترتبط هذه العقيدة ارتباطًا وثيقًا بحركات دينية صهيونية مثل "معهد الهيكل" التي تعمل علنًا لإعادة بناء الهيكل مكان المسجد الأقصى. هذه الجماعات تعتبر ظهور بقرة حمراء مطابقة للشروط إشارة إلهية واضحة تدفعهم للإسراع نحو هدم ما تبقى من الحرم القدسي وبناء هيكل سليمان الثالث.
تعمل هذه المؤسسات، بدعم علني أحيانًا من سياسيين إسرائيليين، على تحضير أدوات "الهيكل"، تدريب الكهنة "اللاويين"، والترويج الديني والإعلامي لفكرة استعادة العبادة التوراتية، في مشهد ينذر بتحول عقائدي صدامي.
الإنجيليون والصهيونية المسيحية
زيارة السفير الأمريكي، وهو ممثل لدولة تشكّل فيها الجماعات الإنجيلية ثقلًا سياسيًا ضخمًا، لا تنفصل عن المعتقدات الإنجيلية التي تؤمن بعودة المسيح بعد بناء الهيكل الثالث، واندلاع معركة "هرمجدون". هذا التيار، الذي يقف خلف دعم غير مشروط لإسرائيل، يرى في مشروع الهيكل تحقيقًا لنبوءات الكتاب المقدس، ولو على حساب إشعال حرب دينية عالمية.
رسائل خطيرة وتداعيات مستقبلية
زيارة السفير الأمريكي لهذه المزرعة ليست مجرد دعم ثقافي أو سياحي، بل يمكن اعتبارها مباركة ضمنية لمشاريع دينية متطرفة، وخطوة تصعيدية تضع واشنطن في موقع الشريك في مشروع يمس أحد أقدس المقدسات الإسلامية.
هذا التصرف يعزز القناعة لدى الفلسطينيين والعرب بأن الولايات المتحدة لم تكن يومًا وسيطًا نزيهًا، بل طرفًا راعيًا للمشروع الصهيوني العقائدي. كما يفتح الباب أمام مزيد من التوتر والتصعيد في القدس المحتلة، ويعطي ذريعة للجماعات اليهودية المتطرفة بالمضي قدمًا في تنفيذ مخططاتها.
خاتمة:
في ظل هذا المشهد، يصبح من الواجب التحذير من استخدام الرموز الدينية كأدوات سياسية تخدم أجندات استيطانية، وتدفع بالمنطقة نحو صراع ديني مفتوح. البقرة الحمراء ليست مجرد حيوان نادر، بل أداة رمزية في مشروع عقائدي خطير، بدأت ملامحه تتجلى، بدعم رسمي أمريكي غير معلن، لكنه واضح في رسائله وإشاراته.
27/06/2025 05:28 pm 130