كنوز نت - بقلم : صبحة بغورة


                

الخطر الصامت في معارك الظلام


 عندما شكّلت اتفاقيات الحد من انتشار الأسلحة النووية ثم الأسلحة الكيماوية وأخيرا الأسلحة البيولوجية والسامة حزمة اتفاقيات رئيسية لحظر الأسلحة غير التقليدية والحد من انتشارها. استبشرت شعوب العالم بقرب التخلص من هواجس التهديد السري للبشرية بالفناء.
                                                                                                          
  • صبحة بغورة
تحظرالاتفاقيات المذكورة ممارسة كافة الأنشطة المتعلقة بإنتاج وتطوير وتخزين أسلحة الدمار الشامل وتلزم أحكام هذه الاتفاقيات الأطراف الموقعة عليها بتدمير الموجود منها.


 ولكن المؤكد لدى الأوساط العلمية المتخصصة أن دولة الاحتلال الصهيوني تمتلك أسلحة نووية ، وهناك اعتقاد بأنها تطور أسلحة كيميائية وبيولوجية أيضا ،ولا تنفي حكومتها رسميا أن لديها برنامج نووي ، كما أنها لم توقع على اتفاقية الحد من انتشار الأسلحة النووية ، ولم تصادق على اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية، وتشير التوقعات أنها تمتلك برنامجا للأسلحة الكيميائية يوجد مقره بمعهد للأبحاث البيولوجية في منطقة نيس زيوتا ـ تل أبيب .هناك اعتقاد أن دولة الكيان المحتل قد طوّرت قدرتها الهجومية على شن الحرب البيولوجية وهذا ما دفع مكتب التقييم التكنولوجي للكونجرس الأمريكي إلى تسجيلها كدولة تمتلك على المدى الطويل برنامجا غير معلن للحرب البيولوجية بالأسلحة البكتيرية والغازات السامة ...

في المقابل تعتبر مصر واحدة من سبعة بلدان فقط لم توقع على معاهدة حظر الأسلحة الكيميائية، ولم تصدق على معاهدة حظر الأسلحة البيولوجية حتى الآن ، وتعتبر الأوساط العلمية العالمية أن برنامج الأسلحة الكيميائية في مصر هو البرنامج الأكثر تقدما منذ سنوات الستينات الماضية وذلك في مسار سعيها للحصول على أسلحة الدمار الشامل ، وأن مصر قد تمسكت بسياسة عدم التوقيع على معاهدتي حظر الأسلحة الكيميائية والبيولوجية حتى يتم رد دولة الكيان الصهيوني المحتل على الأسئلة بخصوص البرنامج الخاص بأسلحتها النووية ، وكان الرئيس المصري الراحل أنور السادات قد أصدر تعليقاردا علي سؤال حول الكيان المحتل،في حال أن تستخدم الأسلحة البيولوجية: " إن الرد الوحيد على الحرب البيولوجية هو أننا أيضا ينبغي لنا استخدام الحرب البيولوجية، وأعتقد أن كثافة السكان المحصورة في منطقة صغيرة من شأنه أن يوفر لنا فرصة الرد بنفس السلاح ، وباختصار نحن نملك وسائل للحرب البيولوجية في الثلاجات وإننا لن نستخدمها إلا إذا بدأوا في استخدامه "

تكشف النظرة المتمعنة في نصوص اتفاقيات حظر أسلحة الدمار الشامل عن بعض نقاط الضعف الرئيسية فيها وعلى رأسها الافتقار إلى آليات فرض احترام أحكامها،وعدم وجود ما يضمن التزام الدول الأعضاء ببنودها ، لذلك بدأت في عام 1994 مباحثات مكثفة لصياغة " بروتوكول الالتزام " الذي يراد منه أن يشكل جزء ملزما لا يتجزأ من اتفاقية الحد من انتشار الأسلحة البيولوجية ويتيح إمكانية تنفيد بنودها . وفي عام 2001 أصرت الولايات المتحدة الأمريكية على وقف المحادثات بسبب وجود مقدار كبير من الشك المتعلق بفعالية بروتوكول الالتزام وبقابليته للتطبيق ، ولأن بسبب خصائص الأسلحة البيولوجية وبدعوى أن التهديد الرئيسي يأتي من المنظمات الإرهابية فإن بروتوكول الالتزام لا يمثل حسب رأي الأمريكيين سوى جهدا عقيما وفي غير محله، ولكن مع ذلك بادرت الولايات المتحدة إلى إصدارتشريعا وطنيا ثم سارعت إلى وضع أنظمة صارمة تتمتع بفعالية كبيرة لضبط ومراقبة عمليات التصدير، وأنظمة أخرى تتعلق بطبيعة التعامل مع الموردين،وكلها قابلة للتطبيق ويمكنها أن تساهم في منع انتشار الأسلحة غير التقليدية والحد من فرص وصولها إلى المنظمات الإرهابية المسلحة.

هناك قناعة بأن الوعي الدولي بضرورة التخلص من كافة أنواع أسلحة الدمار الشامل قد زاد بدرجة كبيرة وبأن القضية بدأت تحتل مكانة هامة على جدول الأعمال الدولي، ومن المتوقع أن ينتج هذا الوعي معيارا ثقافيا يؤدي إلى تخفيض تجارة وانتشار المواد والمعدات ذات الاستخدام المزدوج في الدول الداعمة للإرهاب. المشكلة أن ثمة اعتقاد بأن الحروب الكلاسيكية أصبح يطول أمدها ولم تعد تحسم أمرا، كما لم تعد ذات جدوى لأن مستوى تسليح الجيوش صار متقاربا وكذا المهارات القتالية التي تطورت بشكل متساوي بفضل المناورات المشتركة وتبادل التجارب والخبرات بين الجيوش التي قلّصت الفوارق الكبيرة ، والأمر أصبح يتطلب تغير الوسيلة والتكتيك ،وصار الإرهاب البيولوجي وانتشار المظاريف الملوثة بفيروس الجمرة الخبيثة هو البداية والمؤشر على أن العدو المفترض قد تغير شكله واتجه إلى تهديد الصحة العامة ، وعليه انصرفت الجهود إلى فرض اجراءات صارمة لفرض الأمن البيولوجي أي لمنع او تقليل إلى أدنى حد من تسرب العناصر البيولوجية الخطرة والسموم، والعمل على منع تسرب المعلومات التقنية من المعامل ومعاهد الأبحاث وأسرار المؤسسات الأكاديمية ، وفي ذلك اختارت الولايات المتحدة توجها عدائيا متطرفا معطية الأولوية للأمن والسيطرة على الحرية العلمية والأكاديمية حتى أن نقل المواد البيولوجية الحساسة والمواد الكيميائية أصبح يخضع لموافقات قانونية ويدان من يخالفها بعقوبة الحبس يمكن أن تصل إلى عشرين سنة سجنا. وكجزء من جهد شامل لمجابهة انتشارأسلحة الدمار الشامل أصبح الأمر في الكثير من الدول تحت مراقبة العمليات الاستخبارية والدبلوماسية وفرض القانون والوسائل الأخرى المطلوبة لمنع نقل هذه الأسلحة والمواد المتعلقة بها وأنظمة إطلاقها إلى الأطراف الخطيرةالتي يمكنها أن تشكل تهديدا للسلام والأمن العالميين .