الزلازل ...... رسائلٌ في عالمٍ مضطربٍ


بقلم الشيخ حمّاد أبو دعابس
رئيس الحركة الإسلاميِّة

شهد التاريخ البشري زلازلَ رهيبةً ضربت مواقع مختلفةً من الكرة الأرضية، فأحدثت دماراً واسعاً، ومسحت مُدُناً وقرىً بأكملها عن وجه الأرض . تغيب الزلازل ثم تعود.
تختلف قوتها ومفاعيلها وآثارها..... ولكن تبقى في الوجدان رهبتها، ووقعها.
ذلك،لأنها تذكِّر البشر، بأنَّ الأرض التي يَمُنُّ الله سبحانه على عباده بقوله: " ألم نجعل الأرض مهاداً " وقوله: " والله جعل لكم الأرض بساطاً،لتسلكوا منها سُبُلاً فجاجاً ". فهي ممهَّدة كالسرير المريح، وكالبساط الجميل، يبني الإنسان عليها ويعمِّر، ويزرع فيها ويحصد، ويشقّ فيها الطرق ويبني المصانع...... إلّا أن الإنسان لا بدَّ أن يتذكَّر...... فإن لم يتذكَّر جاء الزلزال ليذكِّره: أنَّ لهذه الأرض خالقٌ مقتدر، وأنَّها مخلوقةٌ مسيَّرةٌ بأمر ربِّها وخالقها، وأنَّها رغم استقرارها وثباتها، إلاّ أنَّ في داخلها من الحمم العظام، والأثقال الجسام، ما يمكن أن يحوِّلها بإذن ربِّها سبحانه، في لحظات غفلةٍ من بني آدم إلى صفيحٍ مضطرب، لا يثبت عليها بنيان ، ولا يطمئن فيها إنسان .
الزلزال المحدود الذي ضرب ايطاليا ، في إحدى مدنها " السياحية الجميلة " هذا الأسبوع ، في وسط تلك الدَّولة الهادئة ، التي قلَّما نسمع عن أخبار اضطراباتٍ سياسيةٍ أو أمنيةٍ أو ماليةٍ فيها في الآونة الأخيرة ، جاء يحمل رسالةً مفادها : يا بني آدم ، لا يغرنَّكم حلم الله وإمهاله لكم ، فإنَّه يرى كلَّ ما تصنعون ، ويعلم ما تخفون وما تعلنون ، وهو عليمٌ قدير ، مدبِّرٌ حكيم . فلا تغفلوا عن قدرته وتدبيره ، ولا تغترّوا بما تملكون وتصنعون ، أو تقولون وتقرِّرون ، فإنّ ربَّكم متى شاء ، يأمر الأرض بأمرِهِ ، وفي لحظة عين وانتباهتها يغيِّر الله من حالٍ إلى حالٍ . وما أظن هذا الزلزال إلاّ مقدمةً لزلازل كثيرة ، ورد في الحديث الشريف كثرتها في آخر الزمان .

مجتمعنا الصغير........ صورة للعالم الكبير

ما يجري في مجتمعنا العربي في الداخل، من اقتتالٍ وعنفٍ ، يطال الشباب والرجال والنساء ، ومن حوادث عملٍ وحوادث سيرٍ وأخرى في المنازل ، تجعلنا نترقَّب الخطر من كلِّ ناحية ، ونعيش على وقع أحداث القتل والجرائم والحوادث المختلفة كل صباحٍ ومساءٍ . تلك صورةٌ مصغرِّة لعالمنا العربي ، وما فيه من قوىً متناحرة ، اختلط فيها الحابل بالنابل ، والكلُّ يقاتل الكلّ ، ولا يعلم متى وكيف النهاية إلاّ الله سبحانه .

انظر إلى سوريا ، وكم يتعقَّد المشهد فيها يوماً بعد يوم : فالمعارضة السورية مكوُّنةٌ من فصائل وكتائب شتّى ، تقاتل جيش النظام مدعوماً بقوى ومليشياتٍ شتى ما بين إيرانيةٍ ، وشيعيَّة عراقيَّة ، وأفغانية ، ولبنانيَّة ، وسلاح جوٍّ روسيٍّ ...... ثم تنظيم الدولة الإسلامية الذي يقاتل الجميع ، وكتائب حماية الشعب الكردي التي تقاتل النظام وداعش معاً ، ومؤخَّراً دخلت الدبابات التركيّة لمقاتلة الأكراد وداعش معاً كذلك ، وفي الأجواء طيرانٌ روسيٌّ وأمريكيٌّ يناصرون فئاتٍ مختلفةً، ومتفقون على عدم التصادم بينهم .
هذا التداخل وهذا الصراع المحتدم ، حوَّل سوريا إلى نقطة تجاذب وسباق مصالح ، وتصادمٍ بين كتلٍ ودولٍ تكاد تشمل كل العالم : فما بين لبنانيين وعراقيين وإيرانيين وأتراك ، وروس وأمريكان وأوروبيين . ولا تنس المستفيدة المتربِّصة إسرائيل ، والعرب المتفرِّجين أو المموّلين ، أو الراقصين على أوتار غيرهم ...... اختلط الحابل بالنابل ولا أرى مخرجاً عند البشر أبداً ...... بل إن أصدق شعار رفعه السوريون وما يزال : يا الله ما لنا غيرك يا الله .
وحده يملك مفاتيح الفرج ، وهو وحده كذلك مالك الملك ، يؤتي الملك من يشاء ، وينزعه عمَّن يشاء وهو على كلِّ شيء قدير .

" ايرلاندر 10" البريطانية تذكّرنا ب" تشالنجر الأمريكية "

أضخم طائرة في العالم ، صناعة بريطانية شارك في تصميمها علماء أمريكان اسمها " ايرلاندر 10 " طولها 92 مترا ، مخصصة لحمولة قدرها 80 طناً ، وبذل في تصميمها وصناعتها أموال ضخمة وخبرات عظيمة ، تحطَّمت بعد إقلاعها بعشرين دقيقة في رحلة تجريبية في أسبوعها الأول . آمالٌ عريضةٌ ، وطموحاتٌ كبيرةٌ ، وتوقعاتٌ جمةٌ كلها تناثرت وذهبت أدراج الرِّياح ، بفعل خطأ بشريّ غير محسوب ، ولكن من ورائه قدرٌ الهيٌ حكيم . تذكِّرنا الحادثة ، بتحطُّم المكوك الفضائي الأمريكي العملاق " تشالنجر" – بمعنى التحدِّي – الذي بذلت في تصميمه وصناعته الولايات المتحدة أموالاً طائلة ووقتاً ثميناً جداً، وكان على متنه طاقم من أرقى رواد الفضاء ، ومعهم الإسرائيلي أيلان رامون ...... طبَّلت أمريكا وإسرائيل زمناً طويلاً وجهزوا العالم لحدثٍ ضخمٍ يتابعه الملايين من البشر ........ وما هي إلا لحظاتٌ بعد انطلاقه حتى تحطَّم ، وتناثرت أجزاؤه في كلِّ مكانٍ وذهبت كل التجهيزات ومعها التحدِّي ورواده أدراج الرِّياح ، تماماً كما ذهبت التجهيزات الضخمة والعقول العملاقة التي خطَّطت وأنتجت الانقلاب الفاشل في تركيا ، فأفشلها التدبير الإلهي ، وقيّض لها الشعب التركي والقيادة التركية أدواتٍ لتنفيذ قدر الله .
يا كلّ البشر أدركوا :
أن فوق قوة أمريكا ، وجلافة روسيا ، وخبث إسرائيل ، ومكر إيران ودهاء بريطانيا .... فوقهم جميعاً ربٌّ جبارٌ مقتدر ، عزيزٌ ذو انتقام .
" إليه يرجع الأمر كلّه فاعبده وتوكَّل عليه ، وما ربك بغافل عما تعملون" . هود 123 "
والله غالب على أمره