كنوز نت - بقلم: الكاتب سليم السعدي



 قمة الذل والعار 
بقلم: الكاتب سليم السعدي

في زمنٍ يفترض أن تُرفع فيه أصوات الحق، نرى مجلسات تُغلق، وخطابات تُمسكها الأيادي، وتواطؤًا يلبس لبوس المصالح. أسهل ما فعله بعض حكام العرب أن طوّعوا لغة الدبلوماسية لتبرير صمتهم، فصار السكوت سياسة، والسياسة تبريرًا للسكوت. أما الشعوب فتعلم جيدًا—أصغر طفلٍ في شوارعنا يعرف أن هناك مسرحيات تُعرض باسم «الاستقرار» و«المصالح»، وأن ثمن هذه «الاستقرار» يدفعه شعبٌ منهكٌ مهجّر ومُشرّد.

ليس سهلًا أن نسمي الأمور بمسمياتها دون أن يقع الكلام في فخ الخطاب الشخصي أو العنصري. القضية هنا ليست عن أفرادٍ منتمين لديانة أو قومية، بل عن منظومةٍ سياسية استوطنت أرضًا وسلّطت سلاحها وقانونها على شعبٍ آخر، وعن أنظمةٍ عربية راهنت مصالحها أو مواقعها على هذه المنظومة أو رُهنت لها بالمقاس. الانتقاد موجه إلى السياسات، إلى التحالفات، إلى الحسابات التي تُقاس بالمال والسلطة على حساب الكرامة والإنسان.


كيف يُفهم أن تُباع قضايا الوطن وتُقايض مآسي الشعوب من دون محاسبة؟ كيف يُفهم أن يتحوّل صوت الشارع، يومًا بعد يوم، إلى همسٍ خائفٍ أو استسلامٍ بطيء؟ عندما تسأل عن سبب الصمت، عليك أن تسأل أيضًا عن أسباب الخوف: الأنظمة التي تُقمع الداخل، وتُقيد الحريات العامة، وتشتري الولاءات، لا تُنتظر منها يقظة أخلاقية تجاه الخارج. إن النظام الذي يخاف من شعبه سيخونُ شعبًا آخر.

لكن الغضب وحده لا يكفي. نقدُ الأنظمة والملوك والأمراء يجب أن يقترن بخطة عمل: توعية، تنظيم مدني، فضح الممارسات بالمستندات، ربط القضية بالضمائر العالمية عبر عمل إعلامي محترف وشراكات مع منظمات حقوقية. علينا أن نعيد صياغة الجبهة المعنوية: لا نريد فقط استنكارًا عابرًا، بل رغبةً حقيقية في مساءلة من باعوا المواقف أو تجاهلوا المآسي. مساءلةٌ تُحصّن الحقوق، وتُعيد الكرامة للمتأذّين، وتُطالب بحقّ العمل القانوني والدبلوماسي الفعّال.

إلى الشارع العربي — لا تستهينوا بغضبكم. إنما الخطر الحقيقي أن يتحوّل الغضب إلى استسلام. لا تقبلوا أن تُختزل قضايا الأوطان في مراوغات المسؤولين أو تبريراتهم. اطلبوا الشفافية، اطلبوا كشف الحساب، اطلبوا سياسات خارجية تقوم على الثوابت الأخلاقية والالتزام بالحقوق الإنسانية، لا على المصالح الآنية التي تُقوّض مستقبل الأجيال.

إلى النخب المثقفة والإعلامية — الكلام الذي لا يتبعه فعل يبقى صدى. امنحوا صرخات المتألمين لغةً قانونية ومنهجية؛ اجعلوها قضية رصد ومتابعة ومستندات. انطلقوا من الموقف الأخلاقي إلى الأدلة الموضوعية؛ فالعاطفة وحدها تُستهلك، والوثيقة تبقى.

إلى أحرار العالم — إن التضامن الحقيقي لا يكون بمجرد كلمات على صفحات التواصل، بل بضغط سياسي منظم، ومقاطعات مدروسة، ودعوات لحقوق عادلة تُطبّق على الجميع. العدالة لا تُشترى ولا تُستبدل بمصالح ضيقة.

في نهاية المطاف، ليست المشكلة فقط في من باع أو في من تواطأ، بل في نظامٍ إقليمي سكت عن نفسه طويلاً. لعلَّ طريق النهوض يبدأ بفضح الذل والعار، ثم بتحويل هذا الفضاح إلى حركة إصلاحية متواصلة، تُعيد الكرامة للمتضررين، وتفرض شروطًا جديدة لعلاقاتنا الخارجية—شروطًا مبنيّة على الحق، لا على الرشوة السياسية.