
كنوز نت - بقلم/ د. محمد حسن أحمد
متطلبات واجبة لفضح جرائم الاحتلال وروايته المزيفة
بقلم/ د. محمد حسن أحمد
في ظل تصاعد الهجمة الإعلامية الإسرائيلية المنظمة، يبدو أن الاحتلال الإسرائيلي بات يُدرك أن كسب المعركة على الأرض لم يعد كافيًا دون كسب معركة السردية والرأي العام العالمي، فبعدما صادقت حكومة الاحتلال على ميزانية عام 2025، التي بلغت نحو 203 مليار دولار، تم تخصيص مبلغ يصل إلى 150 مليون دولار لـما يُعرف بـ"الدبلوماسية العامة" وهي دبلوماسية لا تُمارَس داخل أروقة السياسة فحسب، بل عبر شاشات الهواتف ومنصات التواصل الاجتماعي .
فالاحتلال لم يعد مكتفيًا ببيانات وزارته الرسمية أو متحدثيه العسكريين، بل بدأ بتجنيد مدونين مؤثرين، وخبراء إعلاميين، ليكونوا واجهة جديدة لروايته بوجه شبابي عصري و"إنساني"، الهدف واضح: تحسين صورته الإجرامية في الخارج، ومواجهة موجات التضامن المتصاعدة مع الشعب الفلسطيني، خاصة في الأوساط الجامعية والشبابية الغربية، التي باتت أكثر وعيًا بطبيعة الاحتلال وممارساته ، وأكثر انتقادًا للدعم الأمريكي والغربي الذى يحظى به كيان الاحتلال الإسرائيلي .
وأمام هذا التمدد الإعلامي، تقف الدبلوماسية الفلسطينية والإعلام الشعبي في مفترق طرق، فلا يعقل أن نكتفي بردود الفعل والاجتهادات الفردية لبعض السفراء وممثل فلسطين في الأمم المتحدة ، فلا بد من التحرك بخطة وطنية إعلامية موحدة قادرة على مجابهة آلة الاحتلال الدعائية، ولعلّ أول ما تحتاجه الجبهة الفلسطينية هو وحدة الرسالة وتنوع الوسائل: خطاب إعلامي واحد، لكنه موجه بلغات ولهجات متعددة، يخاطب كل جمهور بلغته وثقافته. آن الأوان لأن نخرج من إطار "الضحية فقط"، دون أن نغفلها، ونتحدث بلغة الحق، والقانون، والمقاومة المشروعة، والقيم الإنسانية، فالجاليات الفلسطينية حول العالم، والسفارات الرسمية، إلى جانب الإعلاميين الفلسطينيين والعرب والأحرار حول العالم، يشكلون رأس الحربة في هذه المعركة. ويمكن تلخيص أدوارهم في:
- تفعيل التواصل مع الإعلام الغربي والمستقل، وبناء علاقات مع صحفيين ومؤسسات إعلامية.
- تدريب المؤثرين والمتحدثين الفلسطينيين على سرد القصة الفلسطينية بلغة يفهمها الغرب.
- تنظيم حملات رقمية دولية بمحتوى مهني وإنساني.
- الضغط داخل الجامعات ومراكز الفكر الغربية، من خلال أنشطة ثقافية وفكرية ومظاهرات.
- التعاون بين الإعلام الرسمي والإعلام الشعبي لبناء جبهة واحدة وفعالة.
ويجب أن تلعب السفارات الفلسطينية دورًا فاعلًا في كل قصة وجريمة يرتكبها الاحتلال، لتكون شاهدة رسمية وموثوقة على هذه الانتهاكات، من خلال توثيق الأحداث بدقة ونقلها إلى وسائل الإعلام المحلية والدولية، لتصبح السفارات أدوات حيوية في مواجهة الدعاية الإسرائيلية المكثفة، والتعاون بين السفارات ومؤسسات حقوق الإنسان ووسائل الإعلام المستقلة يسهم في رفع مستوى الوعي الدولي وتثبيت السردية الفلسطينية القائمة على الحق والعدالة، مما يزيد من الضغط الدبلوماسي على الاحتلال.
ومن غير المقبول أن نبقى في موقع الدفاع، بل علينا أن نكون في موقع صناعة الرواية العالمية عن فلسطين؛ رواية لا تختزل القضية في صور الدمار، بل تُجسّد أيضًا صمود الإنسان الفلسطيني، ثقافته، حبه للحياة، حقه في العيش بكرامة، ورفضه للظلم، أيًا كان مصدره، فبينما يسعى الاحتلال إلى تزييف الواقع وتجميله بميزانيات ضخمة، فإن الشعب الفلسطيني يملك ما هو أثمن من المال: الحقيقة، والعدالة، والإرادة.
المعركة اليوم ليست فقط على الأرض، بل في العقول، على الشاشات، في الكتب، في قاعات الجامعات، وفي قلب كل منصة تواصل اجتماعي، وعلى كل فلسطيني، سواء داخل الوطن أو خارجه، أن يُدرك أن تعزيز السردية الفلسطينية لم يعد خيارًا، بل واجبًا وطنيًا وأخلاقيًا، وخاصة طلبة الإعلام، وخريجيه، والأكاديميين في هذا المجال. فلكلٍّ من موقعه دور في إطلاق حملات توعوية ومهنية تفضح ازدواجية الخطاب الإسرائيلي وتُرسّخ صوت الحقيقة، ولا تنتظر إذنًا من أحد؛ إنها معركة وجود، تتطلب تضافر الجهود، وتوظيف الأدوات الحديثة بذكاء وشجاعة، لاختراق الضجيج الدعائي، والوصول إلى قلوب وعقول العالم.
09/09/2025 03:23 pm 66