كنوز نت - محمد حاتم غنامة  


ايران واسرائيل : هل تقترب المواجهة الحاسمة ؟

مع اقتراب نهاية سبتمبر ، تتجه الأنظار نحو التوترات المتصاعدة بين إيران وتحالف يضم امريكا ، إسرائيل، والترويكا الأوروبية (فرنسا، ألمانيا، بريطانيا). 
هذه الأزمة التي تقترب من نقطة حاسمة، قد تحدد ما إذا كانت المنطقة ستشهد حربًا جديدة بين إيران وإسرائيل أو ستجد مخرجًا دبلوماسيًا هشًا. 
إيران مضطرة للدخول في مفاوضات نووية مع الغرب، لكن انعدام الثقة، خاصة مع مطلب أمريكا الثابت بوقف تخصيب اليورانيوم بشكل كامل، يجعل التقدم شبه مستحيل. 
في الوقت ذاته، تتزايد المخاوف الإيرانية من هجوم إسرائيلي وشيك، مدعوم بغطاء سياسي من الغرب، مما يجعل الأسابيع القادمة حاسمة.

تواجه إيران ضغوطًا متزايدة للعودة إلى طاولة المفاوضات النووية مع الترويكا الأوروبية، لكن العقبات الجوهرية تعيق أي تقدم ، في صميم هذه الأزمة يقبع انعدام الثقة بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية ، إيران تتهم الوكالة بالتجسس لصالح امريكا وإسرائيل، مشيرة إلى أن معلومات حساسة حول برنامجها النووي تُنقل سراً إلى خصومها. 
في المقابل تؤكد الوكالة أن إيران تعرقل عمليات التفتيش، خاصة في مواقع مثل نطنز وفوردو، وتماطل في تقديم إجابات واضحة حول أنشطتها النووية .. هذا التبادل للاتهامات يجعل بناء جسر من الثقة أمرًا شاقًا.

العامل الأكثر تعقيدًا هو المطلب الأمريكي بوقف تخصيب اليورانيوم بشكل كامل، وهو شرط ترفضه إيران بشكل قاطع وتعتبره غير قابل للنقاش. 
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي انسحب من الاتفاق النووي لعام 2015 (JCPOA)، يصر على أن أي اتفاق جديد يجب أن يتضمن إنهاء كامل لأنشطة التخصيب، معتبرًا ذلك الضمانة الوحيدة لمنع إيران من تطوير سلاح نووي ، إيران ترى أن التخصيب حق سيادي مضمون بموجب معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، وتتهم واشنطن بمحاولة فرض شروط استسلام وليس مفاوضات.

الترويكا الأوروبية، التي تحاول إحياء الاتفاق النووي، تجد نفسها عالقة بين الموقف الأمريكي المتشدد ورفض إيران التام لوقف التخصيب ، تصريحات الوكالة الدولية للطاقة الذرية الأخيرة، التي دعت إيران إلى "التعاون الكامل" لتجنب تقرير سلبي إلى مجلس الأمن، تعكس مدى التوتر .. الترويكا تسعى لإيجاد حل وسط، لكن المطلب الأمريكي يجعل هذا الهدف بعيد المنال، مما يزيد من احتمالية التصعيد العسكري.

إيران وإسرائيل: تصعيد عسكري على الأبواب؟
في ظل تعثر المفاوضات، تتزايد المخاوف الإيرانية من هجوم إسرائيلي وشيك ، رئيس الأركان الإيراني، اللواء محمد باقري، أكد في تصريحات البارحة ضرورة الاستعداد للحرب، مشيرًا إلى أن إيران جاهزة للرد بقوة على أي استهداف إسرائيلي ، مسؤولون إيرانيون آخرون يصدرون تصريحات يومية تؤكد جاهزية البلاد، مع التركيز على قدراتها الصاروخية وأنظمة الدفاع الجوي المتقدمة ، هذه التصريحات تأتي وسط توقعات إيرانية بأن إسرائيل قد تشن هجومًا خلال الأسابيع القادمة، مستفيدة من عدة عوامل استراتيجية.

بحسب التقديرات الإيرانية، ستكمل إسرائيل بحلول نهاية سبتمبر ترميم مخزونها من الدفاعات الجوية، التي استُهلكت خلال حرب الـ12 يومًا في يونيو 2025 وقرار الترويكا الأوروبية المرتقب لفرض عقوبات جديدة على إيران بنهاية الشهر قد يوفر غطاءً دبلوماسيًا لإسرائيل، مما يعزز احتمالية التصعيد.

ورغم غياب مؤشرات واضحة في وسائل الإعلام الإسرائيلية عن تصعيد فوري، فإن إيران تعتقد أن نتنياهو يستعد لضربة قد تستهدف منشآت نووية أو قيادات عسكرية عليا .. وان نتنياهو، الذي يواجه انتقادات دولية بسبب الحرب على غزة يرى في هجوم محتمل على إيران فرصة لاستعادة مكانته في أوروبا، خاصة إذا حظي بدعم علني من الترويكا الأوروبية.


الامريكي يلعب دورًا محوريًا في هذه الأزمة، لكن موقفه معقد ، ترامب الذي وافق سابقًا على هجمات إسرائيلية ضد إيران، يجد نفسه في موقف حساس .. إصراره على وقف تخصيب اليورانيوم بشكل كامل كشرط لأي اتفاق مع إيران يضع حاجزًا كبيرًا أمام المفاوضات، حيث ترفض إيران هذا المطلب بشكل قاطع وهذا الشرط الذي يُنظر إليه في طهران كمحاولة لتقويض سيادتها يجعل التوصل إلى حل دبلوماسي صعبًا، مما يعزز من احتمالية التصعيد العسكري.

في الوقت ذاته، ينتظر نتنياهو موافقة ترامب للمضي في أي عملية عسكرية جديدة ضد إيران .. هذا التنسيق بين واشنطن وتل أبيب يعزز ثقة إسرائيل في تنفيذ ضربة، حيث ترى أن الدعم الأمريكي سيحميها من تداعيات دولية كبيرة ، لكن هذا الدعم قد يكون فخًا لترامب. إذا أيد هجومًا إسرائيليًا، قد تجد الولايات المتحدة نفسها متورطة في نزاع إقليمي، خاصة إذا ردت إيران باستهداف مصالح أمريكية، مثل القواعد العسكرية في دول الخليج وغيرها من المواقع في المقابل إذا تراجع ترامب عن دعم إسرائيل، قد يواجه اتهامات بالضعف، مما يؤثر على موقفه السياسي داخليًا.

لماذا نهاية الشهر حاسمة؟
نهاية سبتمبر 2025 ستكون لحظة فاصلة في هذه الأزمة بسبب عدة عوامل متشابكة:
الترويكا الأوروبية تخطط لفرض عقوبات جديدة على إيران مما قد يُفسر في طهران كإشارة إلى دعم غربي لضربة إسرائيلية هذا القرار قد يدفع إيران لتشديد موقفها مما يزيد من التوتر.
الاستعدادات العسكرية الإسرائيلية إسرائيل ستكون قد أكملت ترميم دفاعاتها الجوية، مما يمنحها ميزة عسكرية لشن هجوم دون مخاطر كبيرة.
نتنياهو يواجه ضغوطًا داخلية ودولية، وهجوم على إيران قد يعزز مكانته كزعيم قادر على مواجهة "التهديد الإيراني".
إصرار ترامب على وقف التخصيب بشكل كامل يعرقل أي تقدم دبلوماسي، مما يدفع إسرائيل للتحرك عسكريًا قبل أن تتقدم إيران في برنامجها النووي.
التصريحات المتشددة من إيران، رغم تركيزها على الردع، قد تُفسر في إسرائيل كتحدٍ مباشر، مما يدفع نتنياهو لاتخاذ خطوة استباقية.

إلى أين تتجه الأمور؟
مع اقتراب نهاية سبتمبر يبدو أن مصير العلاقات بين إيران وإسرائيل يتوقف على القرارات التي ستتخذ في الأيام القادمة. 

المطلب الأمريكي بوقف تخصيب اليورانيوم، الذي ترفضه إيران بشكل قاطع، يجعل المفاوضات مع الترويكا الأوروبية طريقًا شائكًا وإذا استمر الجمود الدبلوماسي وقررت الترويكا فرض عقوبات جديدة، فقد تستغل إسرائيل هذه الفرصة لشن هجوم، مستفيدة من الدعم الغربي. إيران التي تستعد للرد على أي استهداف، قد تجد نفسها مضطرة للدخول في مواجهة مباشرة، رغم تفضيلها لاستراتيجية دفاعية.

في المقابل، إذا حدث اختراق دبلوماسي مفاجئ، مثل تقديم إيران تنازلات محدودة أو وساطة دولية فعالة، فقد يتم تأخير التصعيد مؤقتًا ، لكن الواقع يشير إلى أن التوترات في ذروتها .. #إيران تواجه تحالفًا قويًا يضم أمريكا، إسرائيل، وأوروبا، بينما تسعى للحفاظ على برنامجها النووي كرمز للسيادة.
إسرائيل بدعم من الغرب قد ترى أن الوقت مناسب لضربة استباقية قد تغير موازين القوى. 
نهاية هذا الشهر ستحدد ما إذا كانت المنطقة ستتجه نحو حرب شاملة أم ستجد مخرجًا دبلوماسيًا هشًا. 

الجميع يترقب، والأيام القادمة ستحمل الإجابة.

محمد حاتم غنامة - صحفي وكاتب سياسي 
07/09/2025