كنوز نت - حسن عبادي| حيفا


متنفَّس عبرَ القضبان (130)
                                                                         
كنوز نت - حسن عبادي| حيفا - بدأت مشواري التواصليّ مع أسرانا الأحرار رغم عتمة السجون في شهر حزيران 2019 (مبادرة شخصيّة تطوعيّة، بعيداً عن أيّ أنجزة و/أو مؤسسّة)؛ ودوّنت على صفحتي انطباعاتي الأوليّة بعد كلّ زيارة؛
أصدرت كتاباً بعنوان "زهرات في قلب الجحيم" (دار الرعاة للدراسات والنشر وجسور ثقافيّة للنشر والتوزيع) وتناولت تجربتي مع الأسيرات حتى أواخر شهر آذار 2024، حين تمّ منعي من الزيارات، وتم لاحقاً إبطال المنع بعد اللجوء إلى القضاء.
ونشرت في حينه خاطرة بعنوان "صفّرنا الدامون"... وخاب أملي.
عُدت لزيارة الدامون لمواكبة وضع حرائرنا وما آلت إليه حالتهن؛
وجدت الوضع يسوء من سيئ لأسوأ، أسيرات حوامل يعانين الأمرّين، وجع الحمل ووجع حرمانهن من احتضان صغارهن، طفولة سليبة، انتهاكات يوميّة للخصوصيّة، تجويع مُمنهج، حرمانهن من ممارسة شعائرهن الدينيّة وغيرها... ونحن نشجب، نستنكر بشدّة، نندّد، نُدين، نُحذّر، نُحمّل المسئولية...
عقّب الصديق أبو علاء منصور: "نيّالك يا صديقي. أغبطك على ما أنت فيه… اكتب وواصل الكتابة".
وعقّبت فاطمة جوهر (أخت الصديق المقدسيّ السرمديّ إبراهيم جوهر) من الشتات: "وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يدقّ، يدق إلى الماجدات القابعات خلف القضبان. ألف تحية وإكبار، أنتن شرف الأمة وعقالها. الفرج قريب أخواتي بإذن الله. ما ضاقت حلقاتها واستحكمت حتى فرجت. لولا هذا النسر العربي الأصيل ما عرفنا من أخباركن ولا أحوالكن شيئا. سيكتب التاريخ أسماءكن بأحرف من ذهب ويخلدكن على مر العصور وتتغنى بكن الأجيال فلا ضير هذه ضريبة حب الوطن والتفاني من أجله. بارككن المولى سبحانه وتعالى.
ألا تعلم منظمة حقوق الإنسان التي يتغنى العالم بها عن وضع هؤلاء الأسيرات؟ هذا أولا، ثانيا لا أدرى ماذا فعلت هؤلاء النساء حتى يعتقلن وتساء معاملتهن بهذه الطريقة وفي منتصف الليل؟ ما هذا الإجرام ويدّعون أنهم دولة ديمقراطية، ما هذا القهر وهذا الاستعباد؟ لا حول ولا قوة إلا بالله. أستاذ حسن جزاك الله الفردوس الأعلى لما تقوم به من جهاد بالكلمة والفعل تجوب الأرض لتطمئن الأهالي وتنشر الحقيقة بارك الله جهودك وأعلى مقامك وجعله في ميزان حسناتك".
وعقّبت أم محمد بشير: "ماذا نقول لك أستاذ حسن بوركت وبورك عملك وبورك قلمك حينما أقرأ لك أتمنى لو درست المحاماة! ولكن هل ستكون لدي همتك؟"
وعقّبت أم رامي السلايمة: "إن شاء الله تأتي يافا خارج أسوار السجن وتنعم هي ووالدتها بالحرية، وجميع أسيراتنا وأسرانا البواسل. هانت بإذن الله رغم كل ما يحدث. بوركت جهودك أستاذنا العزيز ولك مني كل التحية والإجلال لتواضعك ودعمك لقضية الأسرى والأسيرات."
وعقّبت أم عبد الله السيد: "بوركت جهودك الطيبة، أدام الله عزك ويعطيك ألف عافية. كلماتك مؤثره وتوجع القلب. قضية الاسيرات مهمة وتحتاج للاهتمام. ربنا يفرجها ويهونها ياررررررب ياالله".
  • "نسمات من الدامون"
زرت صباح الخميس 12 حزيران 2025 سجن الدامون في أعالي الكرمل السليب لألتقي بالأسيرة سيرين محمد أسعد الصعيدي (مواليد 09.04.1979) من بيت ليد/ طولكرم، دكتوراه عقيدة وشريعة، جامعة العلوم الإسلامية العالمية/ الأردنية، مدرّسة في مدرسة بنات طولكرم الشرعية وجامعة القدس المفتوحة.
بالله عليك تسأل أم عمر إذا ضحّوا عنّي؟ وتسأل أم حمزة إذا وصّلت الأمانة لصاحبتنا؟، هكذا ابتدأت اللقاء بعد التحية، فضحكت وسألتها: هذا اللي شاغلك؟
يؤرقها نشر كتابها "رسائل إلى صفيّة الروح" وطلبت متابعة الموضوع مع سماح المزين، ومعها الحق تعدّل شو بدها.

طلبت إيصال خاطرة: "إلى إخوتي وأخواني ميراث أمي وأبي، إلى ماجدة وهيام وراكز، السدّ والسند، طالما شعرت معكم أنني الابنة الصغرى لأحدكم وطالما أشعرتموني أنني آخر العنقود مهما كبرت"، وإلى أسامة "الصديق الصدوق"، وأسيد "مقلة العين"، وأمجد الرفيق الحنون، إلى جارة القلب والبيت نهى "طالمنا احتسينا فنجان القهوة سوية، وإلى باسمة الوجه وضاحكة العينين، كم وجدت عندك بسطة في القلب والبيت فكنتِ أمي بعد أمي وقد ورثت على يديك بعد رحيل أمي من جديد". وإلى الجيران جميعاً، وتحديداً الطفلين الصغيرين ريحانتا القلب إيفا وضياء، ولن أنسى خالتي شقيقة الأم الغالية. وإلى عوائل عزيزات الدامون... (نسمات من سجن الدامون. الدكتورة سيرين).
  • طلبت إيصال سلامات الصبايا لأهاليهن.
حدّثتني عن زميلات الزنزانة رقم 4 (سهام أبو سالم، تسنيم عودة، بشرى قواريق، ولاء الحوتري وماسة غزال) وباقي الأسيرات في المعتقل، وعن وضع سجن الدامون الصعب، مسبّات وصياح وتركيع. فشّ عندهم لا إنسانية ولا رحمة.
حدّثتني عن الاعتقال؛ منتصف ليلة 12.02.25، اقتحمت البيت قوات مدجّجة بالسلاح، أكثر من ثلاثين مجنّد... ومجنّدة يتيمة، "كلبشوني بالبلاستيك، أخذوني إلى معسكر بعرفوش، وإلى أريئيل، وإلى مركز بنيامن، وإلى المسكوبية (14 يوم)، وإلى الرملة (4 ساعات) وإلى الشارون المزفّت (ليلى واحدة) وإلى الدامون. كلها رحلة عذاب بعذاب.
وفجأة سرحت وقالت: بحضّر بكتاب بمخّي، "نسمات من الدامون".
  • "يحيى صار يافا"
حين أنهيت لقائي بسيرين أطلّت الأسيرة زهراء محمد عبد (أبو سرحان) الكوازبة (مواليد 23.12.1987) من خلايل اللوز/ بيت لحم، وحين لمحت الاسم بأوراقي سألتني: "كيف عرفت أبو سرحان؟"، فذكرت اسم أخيها معاذ فبلّشت بنحيب متواصل.
المكان سيّئ جداً وقويّة ع شانهم وبفضل دعواتهم.
طلبت بداية إيصال سلاماتها واطمئنانها عن أولادها كرم وزين وفرح، وأضافت: ليلى وسارة ووديع وليان وكارمن، فعقّبت: "كلّ علمي عندك ثلاثة"، فأجابت: "ولاد فادي...أغلى من ولادي"، اشتقت للكل. يسامحوني على اللّي صار.
"رحت على المستشفى لفحص، بيّن أنّي حامل ببنت، الحمل خطير شويّة، لازم خُزعة من البيبي ورفضت، متوقّع ولادة بكل لحظة، ما بدي خزعة، ممكن تسبّب تنزيل الجنين"، أخذوني ع المستشفى مع كلبشات مدمّجة (إيدين + إجرين + مع بعض)، وكلب بالبوسطة. كنت متوقعة يحيى...رجعت من الفحص وقلت للبنات: "يحيى صار يافا".

 حدّثتني عن زميلات الزنزانة رقم 3 (رماء بلوي، سالي صدقة، ياسمين شعبان، حنين جابر، فداء عساف) وباقي الأسيرات في المعتقل. الوضع لا يُطاق.
حدّثتني عن الاعتقال؛ يوم 01.04.25، على حاجز طيّار قرب معاليه أدوميم، بالطريق من أريحا، ما كنت متوقعة. أخذوني لعتسيون، تفتيش مقرف ومخجل، تحقيق بوستات، ومنها للمسكوبية (23 يوماً)، صابني تشنّج بالليل ووقعت، ومن هناك للشارون لليلة واحدة "مقرف وقذر جداً جداً جداً" وبعدها للدامون، استقبال بالضرب "عيني اليسار وإجري اليمين، أخذو الجلباب بالقوة، دم من ثمّي ووجهي، اشتكيت عليهم "مش مستعدّة أتنازل عن الجلباب".
سلّم على أهل أبو وديع كلّهم، وسلفاتي، بحبهم كثير، وعلى أهلي، وجوزي، وطمنوني على فرح وكِنان، وليلى تسلّم على حماتها.
 حين افترقنا وعدتها ببدء حملة دوليّة لإطلاق سراحها ويافا لتلد خارج القضبان.
خرجت زهراء من السجن يوم الخميس: 14/8/2025
لكن عزيزاتي سيرين وزهراء ويافا أحلى التحيّات، والحريّة لكن ولجميع أسرى الحريّة.
حيفا حزيران 2025