كنوز نت - بقلم: رانية مرجية


عن سلام الشجعان
بقلم: رانية مرجية
سلام لا يشبه السلام
في زمنٍ تتزاحم فيه المصطلحات على موائد السياسة، ويُختَزل السلام في صورةٍ تلتقطها عدسة مُصطنعة، يبقى هناك سلامٌ آخر…
سلامٌ يولد من رحم التضحيات، ويتغذّى من دماء الشهداء، ويحيا في وجدان الشعوب التي لم تتنازل عن حقها، ولم تفرّط في ذرة من كرامتها.
"سلامُ الشجعان ليس شعارات تُردَّد، ولا نصوصًا تُوقّع، إنه فعلٌ تاريخيّ، وميثاقٌ يكتبه من وقفوا على حافة الموت."
الميلاد من رحم النار
سلامُ الشجعان لا يولد في القاعات الوثيرة، ولا يتنفس هواء المكاتب الباردة،
بل يخرج من رحم النار، حافي القدمين، عاري الصدر، مبللًا بدموع الأمهات، وموشومًا على كتفه أسماء الرفاق الذين سبقوه.
هو الطفل الذي فتح عينيه على أصوات المدافع، فحفظ لحن الوطن قبل أن يحفظ اسمه،
وعرف أن البيت لا تصنعه الجدران، بل أيادي من حملوا مفاتيحه عبر المنفى وأقسموا أن يعودوا به إلى عتبته الأولى.
صلوات تحت القصف
هناك، حيث كانت القذائف تُهندس شكل السماء، توضأوا بالندى الممزوج بالغبار، وصلّوا ركعاتٍ من حنينٍ على ترابٍ متشقق.
كتبوا على الجدران المحترقة:
"هنا مرّ العاشقون، وهنا صمدت القلوب حتى سال الضوء من عروقها."
سلامُ الشجعان ليس ترفًا من الأمن، بل أمنٌ يولد من قلب الخوف،
حين يقول المقاتل لأخيه: "أكمل… فإن سقطتُ أنا، فلتكن قدماك جسري إلى الفجر."
وداع لا يشبه الوداع
الأمّ التي تُقبّل جبين ابنها قبل المعركة تعرف أن القبلة قد تكون آخر ما يلقاه منها، لكنها لا تبكي…
دموعها قمحٌ يجب أن تدّخره للحصاد، لأن النصر لا يُخبز من القمح وحده، بل من القلوب التي لا تعرف الخيانة.
والأب الذي يعلّق مفتاح البيت في عنق ابنه يعرف أن الحديد يثقل الجيب، لكن ثقله في القلب أخفّ من غربة طويلة.
المعركة التي لا تنتهي
سلامُ الشجعان لا يعني إسدال الستار، بل رفعه على فصل جديد، تُكتب فيه الحكاية بمداد الحقيقة، لا بأقلام المتخاذلين.
هو معركة ضد النسيان، وضد أولئك الذين يغيّرون ملامح الأرض ويرسمون حدودها بأصابع الغدر.

العهد الأبدي
هو العهد الذي يربط الأحياء بالشهداء، والأرض بالسماء، والماضي بالغد.
أن نحرس الحلم كما يُحرس وليد في مهدٍ من نور،
وأن نزرع الزيتون في قلوبنا قبل الأرض، حتى إذا ما أزهرت الأغصان، عرفنا أن السلام الذي سقيناه بدمائنا صار شجرة ظلها يكفي للجميع… إلا الغزاة.
الوطن العائد
حين يأتي سلامُ الشجعان، لن يجيء كغريب يحمل حقائب الهدايا،
بل كابنٍ يعود من السفر الطويل، يفتح باب البيت ويقول: "ها أنا ذا."
عندها، ستغني الأمهات أغاني الميلاد، وتوزع الأرامل الخبز على الأرصفة، وسيجلس الشهداء في مقاعد الغيم يبتسمون لأن دمهم لم يذهب سدى.
خاتمة
سلامُ الشجعان ليس حلمًا شاعرًا ولا ترفًا عاطفيًا،
إنه شجرةٌ نبتت في تربة الوعي، وسُقيت بدماء العاشقين للأرض، وتفيأت بظلها الأجيال القادمة.
"وحين يُكتب التاريخ من جديد، لن تُذكر الأسماء التي ساومت، بل الذين حملوا وجوههم في وضح النهار حتى أوصلونا إلى اليوم الذي يصبح فيه السلام هو آخر الانتصارات وأجملها… سلام الشجعان الذي لا يعرف الهزيمة."