كنوز نت - بقلم: رانية مرجية


شفاء المشاعر الجريحة… مقاربة نفسية-اجتماعية في توجيه المجموعات
بقلم: رانية مرجية
تُعدّ الجروح العاطفية أحد أكثر الأبعاد الإنسانية عمقًا وتأثيرًا على مسار الفرد النفسي والاجتماعي. هذه الجروح—سواء نتجت عن صدمات طفولية، أو فقدان، أو إهمال عاطفي مزمن—تترسخ في الذاكرة الانفعالية، وتؤثر على أسلوب التفكير وبناء العلاقات واتخاذ القرارات. من هنا، جاءت تجربتي في توجيه المجموعات حول موضوع “شفاء المشاعر الجريحة” كمساحة لتفعيل آليات الاستشفاء النفسي والاجتماعي ضمن بيئة داعمة.
تستند مقاربتي في هذا المجال إلى مبادئ العلاج الجمعي (Group Therapy) كما طوّرها إيرفين يالوم، خاصة في ما يتعلق بعوامل الشفاء الجماعي مثل التطبيع (Normalization)، حيث يدرك المشاركون أنهم ليسوا وحدهم في معاناتهم، والتقمص الوجداني (Empathy) الذي يعزز الروابط الإنسانية بين أفراد المجموعة.
أبدأ الجلسات بتهيئة مناخ آمن خالٍ من الأحكام، إذ تشير أبحاث كارل روجرز حول “العلاقة العلاجية” إلى أن القبول غير المشروط (Unconditional Positive Regard) يشكل حجر الأساس لفتح القلوب. نعمل أولاً على التعرف الواعي بالمشاعر (Emotional Awareness)، لأن المشاعر غير المُسمّاة تبقى في اللاوعي، تفرض سلوكيات دفاعية دون إدراك الفرد لذلك.
أستخدم تقنيات متنوعة مثل الكتابة التعبيرية (Expressive Writing) التي أثبتت الدراسات—وخاصة أبحاث جيمس بينيباكر—قدرتها على خفض حدة المشاعر السلبية، وتمارين التنفس العميق واليقظة الذهنية (Mindfulness) التي تساعد على تنظيم الجهاز العصبي وخفض التوتر. كما أوظف أنشطة فنية وحركية لإتاحة قنوات تعبير غير لفظية، إذ تؤكد نظريات العلاج بالفن على دور الرموز والألوان في إخراج المشاعر المكبوتة.
أحد الجوانب المؤثرة في التجربة هو ما أسميه “لحظة الانعكاس الجماعي”؛ حين يكتشف المشارك في رواية الآخر جزءًا من ذاته، فيشعر بالتعاطف والتحرر معًا. هنا يتجسد ما وصفه يالوم بـ”العالم المصغر” للمجموعة، حيث تُعاد صياغة أنماط العلاقات الإنسانية بطريقة أكثر صحة وأمانًا.
إن شفاء المشاعر الجريحة ليس مسارًا خطيًا، بل عملية دائرية من الوعي، التعبير، والتكامل النفسي. هو بداية إعادة صياغة العلاقة مع الذات، والانفتاح على الآخر بعين جديدة وقلب أقل خوفًا وأكثر رحمة.
خاتمة وجدانية
في النهاية، أدرك أن كل جرح نحمله ليس وصمةً بل بصمة، وأننا حين نمد أيدينا نحو الضوء، فإننا لا نبحث عن محو الألم بقدر ما نبحث عن إعادة كتابته بلغة أعمق، لغة تتسع للحب والمغفرة.
في دوائر العمل مع المجموعات، أرى كيف تتحول الدموع إلى جسور، وكيف تنبت من قاع الحزن بذور أمل جديدة.
وأؤمن أن الشفاء ليس أن ننسى ما جرى، بل أن نصنع من ذكرياتنا مرآةً نرى فيها قوتنا، ومن قلوبنا موطنًا يتسع لنا ولمن نحب، دون خوف من أن ننكسر مرة أخرى