كنوز نت - حسن عبادي/ حيفا

قراءة في كتاب "معتقل سدي تيمان الاسرائيلي - صفحة سوداء في تاريخ الانسانية"

كنوز نت - حسن عبادي/ حيفا - "الأيدي مقيّدة. كذلك الأرجل. العيون مغطاة. يمنع الحركة. يمنع الكلام. هكذا تمر كل ساعات اليقظة، يوماً بعد يوم، أسبوعاً بعد أسبوع. ومن حين لآخر -ضرب مبرح"؛ هذا كان العنوان الصادم لمقالة في صحيفة هآرتس صبيحة يوم 18 آب 2024 بقلم الصحافي شاي فوغلمان.
زرت أمس سجن الدامون وحين انتهيت من لقاء سالي سألتني: "مين ناوي تزور بكرا؟" فأجبتها أنّي مُجاز لمشاركتي بحفل إشهار كتاب حول سدي تيمان، والزيارة القادمة ستكون بعد غد، فعقّبت: "معذور أستاذ، بس وحياتك بارك لصاحب الكتاب باسمي وباسم حرائر الدامون، وذكّر الحضور والتلفزيون ما ينسونا".
على هامش مؤتمر أدب الحريّة في عمان، تزامناً مع يوم الأسير الفلسطيني، استلم صديقي علي عبد الله أبو هلال نسخاً من إصداره "معتقل سدي تيمان الإسرائيليّ – صفحة سوداء في تاريخ الإنسانيّة" (دراسة، 112 صفحة، تدقيق لغوي: أحمد الصيفي، تصميم: شربل إلياس، الصادرة عن مكتبة كل شيء الحيفاوية لصاحبها وصديقي صالح عباسي، تحت رعاية المكتبة الوطنيّة الفلسطينية ورئيسها آنذاك الصديق عيسى قراقع) وكانت النسخة الأولى من نصيبي.
جاء في الواصفات: معتقلات/ أبارتهايد/ تمييز عنصري/ غزة/ الاحتلال الإسرائيلي/ تعذيب/ جرائم حرب/ الضفة الغربية/ المحاكم الدولية.
خلال نشاطي في أمنستي "منظمة العفو الدولية"، تابعت وضع السجون الأسوأ في العالم؛ سجن "بيناس سيوداد" السلفادوري، سجن "كارانديو" البرازيلي، سجن "سابانيتا" الفنزويلي، سجن "ميندوزا" الأرجنتيني، سجن "جيتاراما" في رواندا، وسجن "غوانتانامو"، وسجن "أبو غريب"، وفي مشوارنا الأخير إلى إيرلندا أطليت على سجن (Spike) على جزيرة نائية في البحر، ممّا أعادني مجدّداً إلى باستيلات سدي تيمان.
قامت الوكالة اليهودية بترحيل نحو 49 ألف يهودي من اليمن إلى إسرائيل في الفترة بين 1949 و1950، "عملية جناح النسر"، وقامت بإيوائهم في معسكر أقامته وأطلقت عليه "سدي تيمان" (كان معسكراً للجيش البريطاني)، بين "أوفكيم" وبئر السبع، وعلى أنقاض المباني القديمة الآيلة إلى السقوط أقام جيش الاحتلال منشأة الاعتقال في تلك القاعدة للشرطة العسكرية لاحتجاز مختطفي غزّة أبان اجتياح غزة الأخير، ومن هنا جاء اسم السجن الذي يضاهي غوانتانامو و(أبو غريب) وصيدنايا، وبحق عنوَن َ أبو هلال كتابه "صفحة سوداء في تاريخ الإنسانيّة".
في تلك المقالة الصادمة لفوغلمان قرأت شهادات لأعضاء الطاقم الطبي الذين شهدوا بأن المعالجين يتغذّون بالمصّاصة، ويقضون حاجاتهم في الحفّاضات، ويتم تكبيلهم 24 ساعة في اليوم. وهذه ظروف أدت في عدد من الحالات إلى بتر الأطراف. وقال أحدهم في شهادته: "محظور عليهم التكلم والحركة. وإذا خالفوا التعليمات يُسمح بمعاقبتهم".
وجاء في شهادة أحد الأطباء: "وصلت إلى منشأة سديه تيمان شتاء، إلى خيمة من خيام العلاج. كان فيها 20 مريضاً تقريباً. كان الجميع مكبلي الأيدي والأرجل في أسرّة من الحديد كالتي كانت تستخدم في المستشفيات قبل سنوات. جميعهم كانوا في وعيهم ومعصوبي العيون طوال الوقت... توجد طرق للقيام بعلاج غير جيد، أو حتى تعذيب الشخص بدون إطفاء السجائر على جسمه. ولكنّ إبقاءه هكذا وهو لا يستطيع الرؤية أو الحركة أو التكلم لمدة أسبوع أو شهر… هذا لا يقل عن التعذيب، خاصة عندما يتضح عدم وجود سبب صحي. لماذا نكبّل أرجل شخص فتحنا بطنه قبل يومين. ألا يكفي تكبيل يديه؟"
وجاء في شهادة أخرى: "الأمر الأول الذي يصيبك بالصدمة هو الرائحة، هذا مكان نتن حقاً بشكل كبير. لهذه الرائحة مثل رائحة عشرات الأشخاص الذين يجلسون باكتظاظ مدة شهر بنفس الملابس وفي درجة حرارة مرتفعة. يسمحون لهم بالاستحمام لبضع دقائق مرتين في الأسبوع. ولكني لا أتذكر أنهم يبدلون ملابسهم، على الأقل ليس في نوبة حراستي."
وجاء في شهادة مجنّدة: "وصلت إلى هناك وحصلت على رقم. جلست في غرفة الانتظار تحت مظلة، كانت هناك طاولات عليها فُشار. في هذه الأثناء، سمعت محادثات من خلفي، كان هناك من قالوا بأنهم ينوون ضرب المعتقلين أو البصق في طعامهم. أشخاص جيدون أعرفهم تحدثوا عن وحشية وتنكيل بالمعتقلين، وكأنهم يتحدثون عن أمر عادي. لم يحتجّ أحد ولم يتحرك بعدم راحة. لا أحد تحدث عن القانون وعن مهمة السلطات".
وتساءل آخر: "هل تعرف ماذا يعني تغيير الحفّاضة لمخرب وتنظيف مؤخّرته؟".
كتب في الإهداء: "إلى الّذين يستحقّون المجد والخلود، وهم أكرم الناس منّا جميعاً الشّهداء والشّهيدات، إلى العظماء الّذين ينتظرون شروق الحريّة، الأسرى والأسيرات...".
جاءت الدراسة في 7 فصول؛ معتقل معسكر "سدي تيمان"، الاعتقال وأشكال التعذيب وشهادات المعتقلين، المؤسسات والهيئات الفلسطينية الحقوقية تدين الاعتقال والتعذيب، الموقف الإسرائيلي من الاعتقال والتعذيب في معتقل معسكر "سدي تيمان"، الموقف الدولي من تعذيب الأسرى والمعتقلين، تعذيب الأسرى والمعتقلين انتهاك جسيم للقانون الدوليّ، المسؤولية الدولية للاحتلال الإسرائيلي عن تعذيب الأسرى، وأنهى بخاتمة وقائمة المراجع التي اعتمدها.

يعتبر الكتاب إضاءة مهمة على هذا المعسكر والانتهاكات الجسيمة التي ارتكبت بحق مختطفي غزة، وتسليط الضوء على دور وسائل التواصل وظاهرة السيلفي التي باتت سيّدة الموقف، حيث يصوّر جنود الاحتلال تلك الانتهاكات ليتباهى بها عبر وسائل التواصل، تماماً كما شاهدنا في حرب الإبادة على غزة، وتناول تقارير رفع العتب المؤسساتيّة (ص 41-50) ومرّ عليها مرّ الكرام، وتناول الموقف الدولي المخزي مما يجري في سدي تيمان، ولي عتب على الكاتب، فتوجّب عليه تعرية تقاعس الصليب الأحمر والمؤسسات الدولية، وأعادني إلى براميلا باثن ولقاء 25.01.24 (ممثّلة خاصة للأمين العام للأمم المتحدة المعنية للعنف الجنسي في حالات النزاع، زارت المنطقة ورُتّب لها لقاء في رام الله ودُعيت للمشاركة، فاستفسرت من صديقي عبد الحميد صيام حولها فزوّدني ببرنامج اللقاء، 5 أيام لقاءات في تل أبيب وساعتان في رام الله، وحين اقترحت قائمة بأسماء أسيرات تحرّرن حديثاً ليدلين بشهاداتهن، رُفض الطلب وأعلموني أنّ من سيتحدّث فقط مسؤولون مؤسساتيّون، فعدلت عن المشاركة وفضّلت لقاء الأسيرة دلال خصيب في الدامون).
اعتمدت الدراسة على توثيق معلومات تسربت من وسائل الإعلام، أو نُشرت في وسائل التواصل الاجتماعي التي شكّلت المصدر الوحيد للكتاب.
من أهمّ ما جاء في هذه الدراسة الفصل السادس (ص. 77-92) الذي تناول "تعذيب الأسرى والمعتقلين انتهاك جسيم للقانون الدوليّ "، ضروري ومهم وحبّذا تعتمده مؤسساتنا في خطابها المحلي والدولي.
وكذلك الأمر ما جاء في الفصل السابع (ص. 93-105) الذي تناول المسؤولية الدولية للاحتلال الإسرائيلي عن تعذيب الأسرى.
جاءت التوصيات شاملة وتبئيريّة، وخاصة التوصية الخامسة؛ ضرورة اللجوء إلى المحاكم الوطنيّة للدول لمحاكمة مرتكبي جرائم التعذيب بحق الأسرى والمعتقلين.
أضم صوتي لصوت (أبو هلال) بضرورة وأهميّة الحاضنة الشعبيّة للأسرى في بلد المليون أسير، وألّا يكون اهتمامنا فزعات عرب موسميّة حين استشهاد أسير أو تحرّر أسير.
جاءت قراءتي للكتاب متزامنة مع قراءة رواية "الغرفة الزهراء" للكاتب وليد الهودلي الذي تناول التعذيب في سدي تيمان، وقرأت فيها شهادات تقشعرّ لها الأبدان.
ملاحظات لا بد منها؛
اخترت لمداخلتي عنواناً: (Habeas corpus)؛ (الإيبِاس كوربس -مصطلح باللاتينية، يعني أن تلجأ للقاضي وتطلب منه أن يُصدر أمراً احترازياً "أحضروا المعتقل/ المحتجز بيد السلطات ليمثل أمام القضاء والبحث في أمر اعتقاله، وإذا كان الاعتقال منافياً للقانون – أطلقوا سراحه"). وهذا كان مطلب أهالي مختطفي غزة، "بدنا ولادنا. أحياء أم أموات". تناول الباحث هذا الموضوع المؤلم دون أن يعطيه حقّه (ص. 107)، حيث لجأت مؤسسة "هموكيد" إلى المحكمة العليا (التماس 24-10-42099) باسم منير وياسين الفقعاوي، وفي رد النيابة يوم 25.07.2024 "بعد الفحص تبين أن ليس لدينا معلومات بشأن اعتقالهم أو احتجازهم"، ولكن النيابة قدّمت لاحقاً ردّاً آخر يوم 14.11.2024 جاء فيه "بعد الفحص تبيّن أنّ المخطوفين ليسا على قيد الحياة، وفي يوم 07.04.2024 فتحت الشرطة العسكرية تحقيقاً حول ظروف موتهم... وتبيّن أنهما لاقا حتفهما بعد اعتقالهما". عينك عينك يكذبون ويضلّلون المحكمة، حال مئات الغزيّين الذين لم يُعرف مصيرهم.
غاب التحرير عن الكتاب، فهناك تكرار بعض الفقرات، وعلى سبيل المثال لا الحصر، حالة محمد الكردي ص. 23 وص. 29، حالة فادي بكر ص. 23 وص. 29، خالد محاجنة ص. 17 وص. 30، شهادة الأسير إبراهيم سالم ص. 37 وص. 38، وكذلك ص. 57 وص. 65.
من الجدير بالذكر أن الكتاب يعتبر وثيقة ومستند للمذكّرة التي قدّمناها للمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي يوم 09.07.2025.
وأخيراً، باسمي وباسم زوجتي سميرة التي رافقتني من حيفا، وباسم التحالف الأوروبي لمناصرة أسرى فلسطين، نبارك للزميل علي أبو هلال هذا الإصدار القيّم.
***مداخلتي في حفل إشهار الكتاب يوم 15.07.2025 برام الله