
كنوز نت - بقلم الكاتب : سليم السعدي
حين يصبح الحوار هشًا... مع من لا يُراد له أن يفهم
بقلم الكاتب : سليم السعدي
في زمنٍ تعالت فيه الأصوات، خَفَتَ فيه صوتُ الفهم. وفي عالمٍ امتلأت فيه القنوات بالجدل، غابت العقول النقية الباحثة عن الحكمة. نحاور من لا يُراد لهم أن يفهموا، نناقش من أُغلقت عقولهم، وسُدّت آذانهم، وطُمست أبصارهم... فكيف تُرجى منهم هداية، أو يُنتظر منهم فكر؟
نجلس على طاولات الحوار مع قومٍ أفواههم مقيّدة بقيود الخوف والتلقين، وقلوبهم سوداء كالليل إذا يغشى، لا تفقه من الرحمة شيئًا، ولا من الضمير أثرًا. عيونهم أعميت لا عن البصر، بل عن البصيرة، فلا يرون إلا ما يُعرض لهم، ولا ينطقون إلا بما يُؤمرون به.
وهم، إن نُصِحوا، سخروا، وإن ذُكّروا، أعرضوا، وإن قيل لهم "اتقوا"، قالوا: نحن أبناء الحضارة...
لكن أي حضارةٍ هذه التي تُبنى على الخراب، وتُسقى بدم الأبرياء؟
أي حوارٍ يُرجى مع من جعلوا من الكذب فضيلة، ومن الخيانة رأيًا حرًا، ومن احتلال الأرض تحريرًا، ومن قتل الأطفال دفاعًا عن النفس؟
أي رجاء فيمن باعوا عقولهم لصنّاع الفتنة، وضمائرهم لأسواق الدماء؟
إنهم شركاء في الخديعة.
يتغذون من إعلامٍ يعيد صياغة الأكاذيب حتى تبدو لهم حقائق، ويتنفسون مناخًا خانقًا لا مكان فيه إلا لمَن صمت، أو وافق، أو خضع.
نعم، نحاورهم، لا ضعفًا، بل لأن من واجبنا أن نُبقي جذوة الحقيقة مشتعلة، علّ بصيصًا من نورٍ يخرق تلك الظلمات.
لكننا نعلم، ونعلم جيدًا، أن الحوار مع من لا يريد أن يسمع، لا يُثمر.
وأن الكلام مع من لا قلب له، كالغرس في أرضٍ سبخة.
ورغم ذلك، لن نصمت.
لأن السكوت أمام الظلم، خيانة.
ولأن من كتم الشهادة، كان شيطانًا أخرس.
ولأن الله قال:
"وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ..."
حتى لا تبقى الحجة لأحد.
إننا اليوم في مواجهة ليست فكرية فقط، بل أخلاقية وإنسانية. مواجهة بين من يرى الإنسان ككائنٍ مكرم، ومن يراه رقماً أو هدفاً أو ضحية هامشية في طريق السيطرة.
إنهم لا يفتقرون للذكاء، بل يهربون من الحقيقة.
لا ينقصهم العقل، بل ينقصهم الضمير.
وما أسوأ أن تُحاور عقلًا بلا ضمير.
خاتمة:
إننا لا نكتب لنُرضي أحدًا، ولا نحاور لنتنازل عن الحق، بل نكتب لنوقظ، ونحاور لنشهد، ونصمد لأننا نؤمن أن الكلمة، إذا كانت حقًا، فهي سيف لا يُكسر.
فلا تظنّ أن صمتهم حياد... إنه تواطؤ.
ولا تظن أن جهلهم عفوي... إنه مدروس.
ولا تظن أن الحوار معهم ضعف... إنه شهادة للتاريخ أننا لم نصمت.
17/07/2025 01:40 pm 80