
كنوز نت - بقلم الكاتب والفنان: سليم السعدي
لعبة الأدمغة والتجسس:
السلاح الخفي في حسم الحروب الإيرانية على الجبهات العسكرية والسياسية والاقتصادية
بقلم الكاتب والفنان: سليم السعدي
مقدمة:
في زمن لم تعد فيه الحروب تُحسم بالقوة العسكرية وحدها، برزت "لعبة الأدمغة" كأحد أخطر ميادين الصراع المعاصر، حيث تتداخل أدوات التجسس، والتحليل السيبراني، واختراق شبكات القرار، لصناعة النفوذ وتغيير خرائط السيطرة. وفي قلب هذا المشهد تقف إيران، لاعبًا إقليميًا مثيرًا للجدل، تتعرض من الداخل والخارج لصراعات معقدة تستخدم فيها الأدمغة قبل الأسلحة.
أولًا: التجسس كأداة لحسم الصراعات
منذ اغتيال علماء نوويين إلى اختراقات منشآت حساسة مثل "نطنز"، تتوالى المؤشرات على حرب خفية تدور رحاها في الظل، بين أجهزة الاستخبارات الغربية (وخاصة الموساد الإسرائيلي) ونظيرتها الإيرانية. تلك الحروب لا تُقاس بعدد القتلى، بل بحجم المعلومات المسروقة، والعقول التي تم تجنيدها أو تصفيتها.
وفي الوقت الذي تعلن فيه إيران عن تفكيك خلايا تجسس، تكشف أيضًا عن مدى تغلغل العدو داخل مفاصل أمنها، بما يشير إلى اختراقات ذات بعد سياسي وعسكري واقتصادي، تؤثر مباشرة في مسار القرار السيادي الإيراني.
ثانيًا: الأدمغة مقابل الترسانة العسكرية
في خضم التصعيدات العسكرية، كثيرًا ما تفضل الدول الكبرى استخدام الجواسيس والمهندسين الإلكترونيين بدلاً من الدبابات والطائرات. اللعبة هنا تعتمد على الذكاء الصناعي، والتنصت الإلكتروني، والتحكم عن بُعد. فإيران مثلًا استطاعت بوسائل محدودة إسقاط طائرات تجسس أمريكية متقدمة، وتوجيه ضربات سيبرانية لمصالح خصومها، لكن في المقابل تم توجيه ضربات قاتلة لها باستخدام نفس السلاح – سلاح العقول.
ثالثًا: البعد الاقتصادي للحرب المخابراتية
ليس من الغريب أن يتم استهداف منشآت حيوية إيرانية لا بهدف تدميرها فقط، بل لتعطيل عجلة الاقتصاد الإيراني. وهذا ما حصل في الهجمات السيبرانية التي أصابت موانئ، ومحطات وقود، وشركات بترولية إيرانية. كذلك، فإن تجنيد خبراء اقتصاديين ضمن شبكات تجسس، أو تسريب استراتيجيات العمل إلى الخارج، يشكّل عنصرًا خطيرًا في إضعاف البنية الاقتصادية.
رابعًا: لعبة مزدوجة داخل العمق السياسي
ما لا يُقال في الإعلام أكثر مما يُقال. هناك حديث متكرر عن اختراق الموساد لمنظومات اتخاذ القرار داخل طهران، بل وحتى محاولات زرع انقسامات داخل المؤسسة الحاكمة، عبر تسريبات أو اغتيالات مدروسة. وقد استخدمت إسرائيل وأمريكا في هذا السياق وسائل ناعمة – إعلامية ونفسية – لتغذية الصراع بين التيار الإصلاحي والمحافظ، وهي أيضًا من أدوات الحرب الاستخباراتية.
خامسًا: هل بات الداخل مكشوفًا؟
الإعلان الإيراني الأخير عن كشف وتفكيك شبكة تجسس موسادية في الداخل الإيراني، وتورط مسؤولين في التعاون أو التغاضي، يعكس عمق الأزمة. ليست مجرد خلية، بل شبكة، ولا يتعلق الأمر بتسريب معلومات فحسب، بل بالعبث بعقيدة القرار الأمني والسياسي، ومحاولة ضرب الثقة في مؤسسات الدولة.
سادسًا: النهي الديني عن التجسس بين القرآن والتوراة
المفارقة الأخلاقية العميقة أن كلاً من القرآن الكريم والكتاب المقدس (التوراة) ينهى صراحة عن التجسس، ويعتبره تعديًا على الكرامة الإنسانية:
•قال الله تعالى في القرآن:
﴿وَلَا تَجَسَّسُوا﴾ (الحجرات: 12)
•وفي التوراة جاء:
"لا تَسْعَ في الوِشاية بين شعبك" (سفر اللاويين 19:16)
لكن رغم هذا النهي، استخدمته بعض الأنظمة وحتى الدول الدينية، بدعوى حماية "أمن الدولة" أو "استباق المؤامرات"، مما يُظهر تناقضًا صارخًا بين التعاليم السماوية والممارسات السياسية الحديثة.
في التاريخ التوراتي والقرآني وردت روايات عن إرسال جواسيس لأغراض محددة زمنية – مثل تجسس بني إسرائيل على أرض كنعان – لكنها تبقى استثناءات لا تُبنى عليها أنظمة أمنية كاملة تنتهك بها خصوصيات الملايين.
خاتمة: لعبة أدمغة تتجاوز الشرعية
في ضوء ما سبق، تبدو "لعبة الأدمغة والتجسس" أكبر من مجرد تكتيك أمني. إنها ساحة حرب كاملة تُخاض خارج القوانين، تتجاوز الدين، وتدوس على الأخلاق تحت راية "المصلحة العليا". إيران، كغيرها من الدول، باتت لاعبًا وضحية في آنٍ معًا في هذه اللعبة الرمادية.
ويبقى السؤال:
إلى متى ستظل العقول تُستعمل وقودًا لصراعات تخالف ما جاءت به الكتب التي نزلت لتكرّم الإنسان؟
المبدأ الأخلاقي والديني، ولكن مع ذلك، استخدمته الدول لاحقًا كسلاح سياسي وعسكري باسم "الأمن القومي"
فيما يلي بعض النصوص الدينية التي تنهى عن التجسس:
أولًا: في القرآن الكريم
قال الله تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ، إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ، وَلَا تَجَسَّسُوا﴾
(سورة الحجرات، الآية 12)
هذا نصّ قرآني صريح ينهى عن التجسس، لما فيه من سوء الظن، وانتهاك الخصوصية، وقد عُدّ التجسس في هذا السياق من المحرمات التي تمسّ حياة الأفراد والجماعات.
ثانيًا: في التوراة (الكتاب المقدس)
رغم أن التوراة تحتوي على مواضع فيها روايات عن إرسال الجواسيس (مثل تجسس بني إسرائيل على أرض كنعان)، إلا أن هناك أيضًا تعاليم أخلاقية واضحة تنهى عن التجسس والإيقاع بالناس، منها:
"لا تَسْعَ في الوِشاية بين شعبك"
(سفر اللاويين 19:16)
هذا النص يحذر من نقل الكلام والتجسس والنميمة، وهي أفعال تدخل ضمن إطار "التجسس الاجتماعي" الهادف إلى إثارة الفتن.
المفارقة:
رغم هذه التعاليم، فإن التاريخ الديني نفسه يروي قصصًا عن استخدام التجسس في بعض المواضع "الاستراتيجية"، مثل :
•إرسال يوسف عليه السلام جواسيس ليتتبعوا إخوته
•إرسال موسى عليه السلام لاثني عشر رجلاً ليتجسسوا على أرض كنعان
لكن هذا لا يعني أن التجسس مبرر دائمًا، بل يُفهم غالبًا في سياق حروب وتحديات وجودية.
خلاصة فكرية:
بينما تنهى النصوص الدينية عن التجسس الفردي والتعدي على خصوصيات الناس، نجد أن الدول في العصر الحديث حولت التجسس إلى منظومة مؤسساتية، تُبرره بالأمن القومي، وتُخضعه للمصالح الجيوسياسية، مما يُظهر التناقض بين القيم الدينية وتطبيقاتها السياسية في واقعنا المعاصر.
25/06/2025 09:46 pm 59