كنوز نت - بقلم: رانية مرجية – اللد


الإصغاء كفعل مقاومة: من دورة توجيه المجموعات في مركز ريان، إلى ولادة الذات من جديد
بقلم: رانية مرجية – اللد

لا أبالغ إن قلت إنني خرجت من دورة “توجيه المجموعات” التي عُقدت في مركز ريان في اللد، وأنا لستُ كما كنتُ قبلها.
فما تعلّمته هناك، وتحديدًا على يد الدكتورة الرائعة أميمة دياب، لم يكن مجرد سلسلة مهارات نظرية، ولا تمارين عابرة نخطّها على دفاتر ثم ننساها.
كان الأمر أعمق من ذلك بكثير، كان أشبه بولادة بطيئة ولكن صادقة لذاتي من جديد. ومن عمق هذه التجربة، إن سُئلت عن أهم مهارة خرجت بها من هذه الدورة الفريدة، فهي بكل بساطة:
الإصغاء المتجذر، الإصغاء الذي يسبق كل فعل، ويؤسّس لكل تغيير.

الإصغاء لا كصمت بل كحضور

في عالم صاخب، متسرّع، يعلو فيه من يصرخ أكثر، تُصبح مهارة الإصغاء النشط فعلًا ثوريًا.
لقد تعلّمت في هذه الدورة أن الإصغاء الحقيقي ليس استماعًا سلبيًا أو انتظارًا لدورنا في الحديث، بل هو قرار أخلاقي، روحاني، وإنساني، بأن نكون مع الآخر دون أن نُطفئه أو نُصادر مساحته.
أن نُصغي يعني أن نُعطّل محاكمنا الداخلية، أن نتخلّى عن أحكامنا الجاهزة، وأن نُعطي الآخر فرصة ليكون، ببساطة، إنسانًا مكشوفًا دون خوف.

من خلال أدوات فنية ومنهجيات حديثة، أرشدتنا الدكتورة أميمة دياب إلى فن الإصغاء كتقنية وكموقف، كنَفَس طويل في زمن اللاهواء.
كان التدريب مكثفًا، فيه من الصمت ما فيه من المعنى، وفيه من البوح ما فيه من التحرر.
إن الإصغاء، كما اكتشفته، لا يغير المجموعة فقط… بل يعيد تشكيل الذات من جديد.

مركز ريان في اللد: فضاء يليق بالحلم

وهل يمكن أن تنجح دورة مثل هذه، لو لم تُعقد في فضاء يشبهها؟
مركز ريان في اللد لم يكن مجرد مكان، بل حاضنة إنسانية، تليق بهذا النوع من التحولات الداخلية العميقة.
وهنا، لا بدّ من وقفة احترام وشكر خالص إلى مديرة المركز، السيّدة ياسمين رياشات، التي أثبتت أن القيادة ليست موقعًا، بل موقفًا، وأن من يدير فضاءً مثل “ريان” عليه أن يمتلك قلبًا كبيرًا يتسع للجميع، كما تمتلكه ياسمين.

كانت ياسمين رياشات، خلال أيام الدورة، نموذجًا حيًا للتمكين الصامت، للثقة الهادئة، وللإدارة التي تعرف متى تتقدّم، ومتى تفسح المجال.

هي تعرف كيف تجعل من المكان بيتًا، ومن الفريق عائلة، ومن النشاط رسالة.

وللشكر تتمّة… اسمه مركز ريان

لا يكتمل الشكر دون أن نذكر الجهة التي شكّلت الإطار الحقيقي لهذه التجربة الغنية: مركز ريان في اللد.
هذا المركز لم يكن مجرد مبنى أو عنوانًا رسميًا، بل فضاء نابضًا بالحياة والاحترام والرؤية المجتمعية العميقة.

مركز ريان وفّر لنا كل ما نحتاجه، من بيئة آمنة إلى تنظيم دقيق، من طاقم داعم إلى روح مؤمنة بقدرة الإنسان على التغيير والنمو.
كان الحاضن لهذه الدورة، والداعم لها بكل تفاصيلها، الصغيرة منها والكبيرة، بوعيٍ مدهش وإيمانٍ نادر بأن بناء الإنسان أولوية.

ريان – المركز – هو نموذج لما يجب أن تكون عليه مؤسساتنا المجتمعية:
مراكز حقيقية للتمكين، لا للخطابات؛ منصات للإنصات، لا للضجيج؛ وبيوتًا تُحتضَن فيها الطاقات لا تُقيَّم فقط.

الإصغاء مقاومة

أن تُصغي، يعني أن تقاوم ثقافة الإلغاء.
أن تُصغي، يعني أن تتواضع أمام تجارب الآخرين، وتكفّ عن احتكار السردية.
أن تُصغي، يعني أن تؤمن بأن التغيير لا يبدأ بالصراخ… بل بالسكينة.

في الختام، لا أكتب هذا المقال كخبيرة، بل كمتعلّمة ممتنّة، كإنسانة أعادت اكتشاف صوتها الداخلي من خلال الصمت، ومن خلال نبرات الآخرين.
شكرًا أميمة دياب، لأنكِ تقودين لا بالعصا، بل بالبوصلة.
شكرًا ياسمين رياشات، لأنكِ من النساء اللواتي يصنعن الفارق دون ضجيج.
وشكرًا مركز ريان، لأنك لست فقط مؤسسة… بل ذاكرة جديدة للكرامة