
كنوز نت - بقلم الكاتب الفنان : سليم السعدي
قطار التطبيع وخطة تصفية القضية الفلسطينية
قراءة في الأبعاد الجيوسياسية والاستراتيجية في ظل الأزمة الإيرانية
منذ انطلاقة ما عُرف إعلاميًا بـ “قطار التطبيع"، بدأت تتكشف معالم مشروع سياسي استراتيجي ضخم يستهدف إعادة تشكيل خارطة النفوذ في منطقة الشرق الأوسط، وذلك عبر تطبيع العلاقات بين عدد من الأنظمة العربية والكيان الصهيوني، تحت ذرائع السلام والاستقرار ومواجهة "العدو المشترك"
لكن الحقيقة الواضحة هي أن هذا القطار لم يكن إلا مركبة لنقل الشرعية على جرائم الاحتلال وتصفية القضية الفلسطينية، في إطار رؤية أمريكية صهيونية، تهدف إلى تمكين "إسرائيل" من قيادة المنطقة عسكريًا واقتصاديًا، وتصفية أي تهديد استراتيجي، وعلى رأسه المقاومة الفلسطينية والمحور المناهض للهيمنة الغربية .
الهدف الحقيقي من التطبيع: تمكين الكيان وضرب البديل
من خلال اتفاقيات التطبيع، عملت الولايات المتحدة على إزاحة القضية الفلسطينية من طاولة الأولويات الإقليمية، وجعل الكيان الصهيوني بمثابة "الدرع الأمني" لمصالحها في المنطقة. فقد كان واضحًا أن واشنطن تستعجل تسوية ملف الشرق الأوسط، لكي تتفرغ للخطرين الأكبرين في استراتيجيتها المستقبلية: الصين وروسيا
•الصين تتوسع اقتصاديًا في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية من خلال مبادرة "الحزام والطريق"، مما يهدد عرش الدولار والهيمنة الاقتصادية الأمريكية
•روسيا، وبعد تدخلها العسكري في أوكرانيا وسوريا، تُعيد تموضعها كقوة عالمية ذات طموحات عسكرية وجيوبوليتيكية .
وهكذا، فإن تمكين "إسرائيل" في المنطقة كان بمثابة خطوة تمهيدية لتسليمها جزءًا من المهام الأمنية والعسكرية التي كانت تتولاها واشنطن، لتتفرغ الأخيرة لإدارة المواجهة الكبرى القادمة.
إيران: نقطة الارتكاز التي عطلت المشروع
لكن المخطط لم يمر دون عوائق. فإيران، رغم كل الضغوط والعقوبات، شكّلت عقدة استراتيجية أمام هذا التوجه. فهي ليست فقط خصمًا مباشرًا للكيان الصهيوني، بل تمثل العمق الإقليمي للمقاومة في فلسطين ولبنان وسوريا والعراق واليمن.
ومع تصاعد الأزمة بين طهران وتل أبيب، خصوصًا بعد الهجمات على المنشآت النووية الإيرانية واغتيال علماء بارزين، ومع تصاعد حدة التصريحات والتهديدات المتبادلة، بدأت ملامح انفجار إقليمي تلوح في الأفق، مهددة بتفجير كل ما تم بناؤه من تحالفات تطبيعية هشة.
هل فشل مشروع التطبيع؟
رغم ما حققه التطبيع من مكاسب إعلامية ودبلوماسية في بعض العواصم العربية، إلا أن الرهان عليه بدا هشًا أمام حجم الرفض الشعبي العربي والإسلامي، وأمام تعاظم محور المقاومة الذي أثبت قدرته على المواجهة والتحدي، وآخرها كان في معركة "طوفان الأقصى" التي أربكت كل الحسابات
إضافة إلى ذلك، فإن غطرسة الكيان الصهيوني واستمراره في سياسات الاستيطان والتهويد والقتل، فضحت زيف رواية "السلام مقابل السلام"، وكشفت أن مشروع التطبيع لم يكن يومًا لصالح شعوب المنطقة، بل لصالح تمكين كيان غاصب يفتقد للشرعية والقبول.
كيف نواجه هذه الاستراتيجية؟
لمواجهة هذا المخطط الشامل، لا بد من تبني خطوات عملية على عدة مستويات:
1.إعلاميًا وفكريًا: تعزيز الوعي الشعبي بحقيقة مشروع التطبيع، وكشف أهدافه الخفية، والتأكيد على مركزية القضية الفلسطينية في الوجدان العربي والإسلامي.
2.سياسيًا: دعم كل الأصوات الحرة في العالم التي ترفض التماهي مع المشروع الصهيوني، وربط النضال الفلسطيني بالنضال العالمي ضد الاستعمار والاستغلال.
3.اقتصاديًا: فك الارتباط مع أي منظومة تطبيعية اقتصادية، ومقاطعة المنتجات والمؤسسات التي تروج للتطبيع.
4.عسكريًا واستراتيجيًا: دعم محور المقاومة وتحصين الجبهات التي تقف في وجه تغول الاحتلال، واعتبار الدفاع عن فلسطين جزءًا من الدفاع عن كرامة الأمة بأسرها.
5.عالميًا: فضح التواطؤ الأمريكي في كل المحافل الدولية، والتأكيد على أن ما يجري ليس صراعًا بين دولتين، بل مشروع استعماري تقوده واشنطن عبر أذرعها في المنطقة.
في الختام
قطار التطبيع هو جزء من خطة لتصفية القضية الفلسطينية، وتكريس هيمنة إسرائيل كقوة إقليمية ضاربة لصالح أمريكا، في ظل احتدام الصراع مع الصين وروسيا. لكن هذا المشروع يواجه اليوم ارتدادًا شعبيًا واستراتيجيًا عنيفًا، خصوصًا مع صمود محور المقاومة وتصاعد التهديدات الإقليمية. لذلك فإن التصدي لهذا المخطط لا يكون فقط برفض التطبيع، بل بتكثيف العمل الوحدوي وتعزيز المقاومة وفضح المشروع الأمريكي الصهيوني بكل الوسائل المتاحة.
21/06/2025 05:25 pm 68