كنوز نت - بقلم: رانية مرجية


ثلاث نَفَسات… وإلهٌ واحد لا شريك له
بقلم: رانية مرجية
يقولون لنا: أنتم تعبدون ثلاثة آلهة.
ونجيب بمرارة الأنبياء الذين لم يجدوا مكانًا لولادتهم ولا قبورًا لدفنهم: لا، نحن نعبد إلهًا واحدًا… لكنه ليس مسطّحًا، ليس جامدًا، ليس صنمًا من حجر.
إلهنا حي، متحرك، فاعل، مُحبّ.
إلهنا واحد، لكن في كينونته حياة وحوار وعلاقة.
إلهنا هو الآب والابن والروح القدس، وليس بين الثلاثة فاصل ولا مسافة، بل سرّ لا يُحتَكر ولا يُشرح كما تُشرح معادلات الفيزياء، بل يُعاش ويُتنفّس ويُتذوّق كما تُتذوّق صلاة في ليل الخوف.
نحن نعبد إلهًا واحدًا بثلاثة أقانيم.
والأقنوم، لمن لا يعرف، ليس “جزءًا” من الله، بل هو “وجه” من حضوره.
ليس فصلًا، بل عمق.
ليس رقمًا، بل علاقة.
الآب… هو الأصل، هو الحبّ الذي لا يحتاج إلى إثبات.
هو الذي قال للعدم: كُن، فصار نورٌ وكوكب وإنسان.
هو الذي لا يُرى، لكنه يُشعر، مثل دفء الشمس في عزّ كانون.
هو ليس شيخًا بلحية بيضاء فوق الغيم، بل قلبًا أبديًا ينبض في صمت الخليقة.
الابن… هو الكلمة، الصوت الذي صار جسدًا كي لا نبقى نحن مجرّد صدى.
هو يسوع المسيح، ابن المريم، الذي سار حافيًا على دروبنا، ونام على حجارة قلوبنا، وبكى معنا، وتألم مثلنا، ليقول لنا إن الله لم يبقَ هناك، بل أتى إلى هنا.
الابن لم يُرسل ليؤسس ديانة، بل ليؤكد أن الحبّ لا يُفهم إلا إذا مشى معنا على الأرض.
الروح القدس… آه، الروح!
النسمة التي تهزّ القمح دون أن تراها.

الصرخة التي تُشعل قلوب التلاميذ الخائفين وتجعلهم يعلنون الحقّ دون خوف.
هو الحضور الذي لا يُحدّ، الريح التي لا تُقيَّد، القوة التي لا تُشترى ولا تُباع.
هو الذي يجعلنا نصرخ: “يا أبا الآب!”
هو الذي يربط بين الآب والابن، ويجعل الكنيسة جسدًا حيًّا، لا مؤسسة بيروقراطية.
فكيف إذًا نقول: ثلاثة؟
نحن لا نعبد ثلاثة، بل نعبد الواحد الذي أحبّ، والذي تجلّى، والذي يسكن.
الواحد الذي هو شركة، لا وحدة ميتة.
الواحد الذي هو حوار داخلي أبدي، لا صمت صنميّ.
الثالوث الأقدس ليس مسألة فلسفية، بل هو لُبّ الإيمان المسيحي.
لأنه من خلاله نفهم أن الله لم يكن أبدًا وحيدًا، ولم يكن أبدًا بعيدًا.
من خلاله نفهم أننا لسنا وحدنا في هذا العالم.
وأن الحبّ، في أصله، ليس صفة من صفات الله، بل كيانه كلّه.
فهل هذا صعب؟
نعم، على العقل الذي يريد أن “يفهم” الله كأنه آلة.
لكن ليس صعبًا على القلب الذي يعرف أن الله لا يُفهم، بل يُحَبّ.
الثالوث ليس مشكلة يجب حلها، بل سرّ يجب السجود أمامه.
هو الله الذي لم يحبس نفسه في عليائه، بل فتح قلبه لنا بثلاث نَفَسات:
الآب… الذي خلقك لأنك جميل.
الابن… الذي فداك لأنك ثمين.
الروح… الذي يسكنك لأنك محبوب.
إله واحد، لا شريك له.
لكنّه ليس وحيدًا، لأنه محبة.
ومن يعرف المحبة، يعرف أن المحبة لا تعيش وحدها أبدًا.