كنوز نت - بقلم: رانية مرجية


“حين تُقصف الهشاشة: ذوو الإعاقة بين نيران الحرب وصمت الدولة”
بقلم: رانية مرجية
“الله يلطف فينا.. لا ملاجئ ولا سخام بين.. ذوي الإعاقة رايحين بين الرجلين..”
هذه الكلمات، رغم بساطتها، تختصر جرحاً نازفاً لا يُلتفت إليه إلا حين يُقصف بصاروخ أو يُحترق تحت الركام. في كل حرب، ومع كل تصعيد، يسألنا الصحافيون والمختصون والمسؤولون ذات السؤال الأبله:
“ما هي المصاعب التي واجهتموها خلال الحرب؟”
ثم يختفون كما جاءوا، كأنهم جاءوا ليجمعوا مادة بحثية لرسائلهم الأكاديمية، لا ليغيروا واقعًا ولا ليحملوا وجعًا.
لكن ماذا عن الذين لا تُسألهم الكاميرات؟ ماذا عن ذوي الإعاقة؟
عن الذي لا يستطيع النزول عن سريره، ولا السمع حين تصفر صفارات الإنذار؟
عن الذي لا يملك كرسياً متحركاً للخروج من بيته، وإن خرج، فلا مكان آمن له في البلاد؟
أولئك “الرايحين بين الرجلين” حرفياً، في وطن لا يقيم للضعفاء وزناً، ولا يعترف بالهشاشة إلا بعد أن تتحول إلى جثة.
الوطن الذي لا يُحصي مواطنيه الهشّين
في كل جولة عنف، يُقال لنا إننا في “دولة متقدمة”، وإن لدينا “أفضل أنظمة الطوارئ”، وإن “الكل متساوٍ أمام الصواريخ”.
لكن الحقيقة أن الصواريخ تعرف طريقها إلى الأضعف دومًا.
الملاجئ غير مجهزة.
الرسائل النصية لا تصل إلى من لا يسمع.
صفارات الإنذار لا تُترجم بلغة الإشارة.
والملاجئ التي وُعدنا بها لا تصلح إلا للذكور الأقوياء الذين يجرون نحوها كعدّائي أولمبياد.
أما أصحاب الإعاقات، فيُتركون في الطوابق العليا دون مصعد، دون خطة إنقاذ، دون أدنى اهتمام.
وتأتي الحرب لتكشف من جديد أننا غير مرئيين، لا في السلم ولا في الحرب.
الناجون بلا صوت
هل سمع أحدكم بقصة معاق نجا من تحت الردم؟
هل طُرحت قصصهم في نشرات الأخبار؟

هل خُصّص لهم برنامج دعم بعد الحرب؟
الجواب معروف: لا.
يخرج المسؤول في نهاية الحرب ليعلن “الانتصار” أو “الخسائر”، ثم يضيف بجملة متلعثمة عن “الفئات الخاصة التي سنأخذها بالحسبان لاحقاً”.
ولاحقاً، دائمًا ما يكون لاحقًا… حتى يموتوا.
من حقنا أن نحيا، لا أن نُرثى
ذوو الإعاقة لا يريدون أن يُعاملوا كضحايا دائمين، بل كمواطنين متساوي الحقوق.
يريدون ملاجئ مهيأة، لا سلالم لا تنتهي.
يريدون طوارئ تحترم احتياجاتهم الخاصة، لا شعارات فخرية بعد المذبحة.
يريدون مترجمي إشارة في نشرات الإنذار، لا على مسارح المهرجانات.
يريدون الكرامة، لا الصدقات.
حين تهتز الأرض، من يحمل الأضعف؟
في الحروب، يُقال إن القوي يحمي الضعيف.
لكن في وطننا، القوي يركض نحو نجاته، ويُترك الضعفاء خلفه.
كأنهم فائض بشري.
كأنهم عبء إحصائي.
كأنهم لم يكونوا.
ومن أكثر المشاهد قسوة، أن ترى أمًّا عاجزة تحاول سحب ابنها المشلول من تحت القصف، وتفشل.
أن ترى أعمى يتخبط في شارع فارغ لأنه لا يدري أن الخطر اقترب.
أن تسمع عن معاق عقلي تركوه وحده في مؤسسة بلا كهرباء ولا ماء لثلاثة أيام.
صرخة في وجه الغياب
هذه ليست روايات خيالية.
هذه يوميات من عاشوا الحروب دون دروع ولا ملجأ، دون حيلة ولا إعلام.
العيب ليس في الإعاقة، بل في العقلية التي لا ترى الإنسان إلا حين يُستغل أو يُدفن.
العيب في الأنظمة التي لا تضع أصحاب الإعاقة في حساباتها إلا كشعار تنموي في الأمم المتحدة.
العيب فينا، إن صمتنا.