
كنوز نت - الرملة
رانية مرجية تكتب: ابنُ الوزير وابنُ الفقير… حين تتكلم العدالة بصمت القهر
في بلادي، حيثُ العدالة ملفوفة بورق عنب، ومغموسة بزيتٍ مسروق من كرمٍ اقتلعوه في منتصف الليل، يولدُ ابنُ الوزير على صدره وسادة من ريش النعام، ويولد ابنُ الفقير على الإسفلت. لا شيء يوحّد بينهما سوى رقم الهوية وربما ذات النشيد الوطني، حين يُطلب من كليهما أن “يرددوه بحماسة” في طابور المدرسة. غير أن الحماسة لا تُوزَّع بالعدل، كما لا تُوزع الوجبات المدرسية، ولا تُمنح الأحلام بالتساوي.
ابنُ الوزير لا ينتظر الحافلة تحت المطر، لأن السائق الخاص ينتظر عند باب المدرسة بسيجار من النوع الذي لا يعرفه معلم الجغرافيا.
ابنُ الفقير لا يعرف المطر من النافذة، بل يعرفه حين يخترق سقف الزينكو فوق رأسه، ويتساقط معه الحلم كقطرات لا تمسّ الأرض بل تسقط في داخله مباشرة.
ابنُ الوزير إذا تعثّر، يأتي له عشرة من المساعدين ليقنعوه بأنه “ابتكر شكلاً جديدًا من السير”.
ابنُ الفقير إذا تعثّر، قالوا له: هذا قدرك… امشِ واحمد الله أنك ما زلت حيًّا.
ابنُ الوزير إذا فشل في الامتحان، تمّ الاتصال بالعميد فورًا.
ابنُ الفقير إذا تفوّق، قالت له أمه: “ادعي ربك يطلعلك منحة… لأنه ما معنا ندفع الجامعة.”
في بلادي، تُقام الولائم من أجل نجاح ابن الوزير في الثانوية العامة، ولو بدرجة “مقبول”.
بينما يُمنع ابن الفقير من الاحتفال حتى لو نالَ المرتبة الأولى، لأن والده يعمل حارسًا ليليًّا في عمارة لا يستطيع استئجار مرحاض فيها.
ابنُ الوزير يسافر ليجد نفسه.
ابنُ الفقير لا يستطيع أن يضيع دقيقة في “إيجاد النفس”، لأن عليه أن يجد رغيف الغد، وإيجار الشهر، ومصاريف الدواء لأمّه.
وفي الانتخابات؟
ابنُ الوزير يُعدّ قائداً بالفطرة، حتى لو لم يعرف الفرق بين قريتين في الوطن.
ابنُ الفقير يُستخدم كصوت انتخابي يُنسى بعد دقائق من إغلاق الصناديق.
ثم يقولون لك: هذه دولة القانون، وهذه دولة العدالة، وهذه دولة الحلم.
أيُّ حلم يا سادة؟
حين يكون الحلم ذاته ممنوعاً على ابن الفقير؟
حين تُفرش الطرقات بالورود لابن الوزير وتُزرع بالحفر لابن الحارس؟
يا سادة…
هذه ليست دولة، بل مزرعة على هيئة دولة.
فيها ابنُ الوزير يملك مستقبلًا حتى لو لم يدرسه، وابنُ الفقير يُحرم من مستقبله حتى لو رسمه بدموعه.
لكن انتبهوا،
في يومٍ قادم — ولا تسألوني متى — سيقف ابن الفقير، يلبس وجع أمه كدرع، ويحمل خيبة أبيه كراية، ويعيد ترتيب الطابور.
حينها فقط، سيكون العدل ممكناً.
أما اليوم، فدعونا نكتب،
لعلّ الكتابة هي الشيء الوحيد الذي لا يميّز بين ابن الوزير وابن الفقير
11/06/2025 02:17 pm 43