كنوز نت - بقلم: رانية مرجية
ما دام ضميرك صاحي ومعك، اكتب…
بقلم: رانية مرجية
ما دام ضميرك صاحيًا ومعك، اكتب، ولا تخشَ في الحبر لومة لائم. اكتب ولو بكيت، ولو نُفيت، ولو اتهموك بالتطاول على المسلمات. اكتب لأن الكتابة، حين تكون صادرة من ضمير صاحٍ، ليست ترفًا، بل فعل مقاومة، وشهادة، ونافذة مفتوحة نحو الله.
في عالمٍ مُثقلٍ بالضجيج، حيث تُخدَّر الضمائر تحت وابل من الشاشات والإعلانات والتفاهة، يصبح للضمير قيمة نادرة، ويصبح للكاتب الصادق دور النبيّ. ليس نبيًا يبشر بالخلاص، بل نبي يفضح الزيف، ويُعرّي القبح، ويمسح عن المظلومين دموعهم بكلماتٍ من نور.
الكتابة ليست مهنة للترف الفكري، بل هي امتحان يومي للإنسان في إنسانيته. فحين تكتب، تُعيد ترتيب الكون، تُضيء عتماتك الداخلية، وتصرخ نيابة عن من لا صوت لهم. وكل كلمة لا تمر عبر الضمير، تتحول إلى رصاصة طائشة، أو صمت متواطئ، أو زخرف لا حياة فيه.
أما الضمير، فذاك الصوت الخافت الذي يوقظك في الهزيع الأخير من الليل ليقول لك: “ما كتبته لا يشبهك… امحُه واكتب ما يشبهك، ما يليق بك، ما يعكس صورتك في مرآة الروح.” والروح لا تكذب.
حين نكتب بضمير، نواجه أنفسنا أولًا. نُزيل عنها الأقنعة، ونتجرّد من خوفنا، ونسمح لنور الحقيقة أن يتسلّل من الشقوق التي أحدثها القمع والتزييف والتعب. الكتابة الصادقة لا تهادن، لا تبحث عن تصفيق، ولا ترتدي الأزياء الفكرية السائدة. إنها تسير عارية في شوارع الكلمات، تصفعنا بحقيقتها وتُبكينا، لكنها تشفينا.
أنا لا أخاطب الكتّاب فقط، بل أخاطب الإنسان في كلٍّ منّا. فكل فعل يومي هو شكل من أشكال الكتابة: كيف تحب، كيف تعتذر، كيف تتضامن، كيف تصمت حين يجب الكلام، أو تتكلم حين يُفرض الصمت. ما دام ضميرك صاحي، فأنت تكتب، حتى لو لم تمسك قلمًا.
قد تُحاصرك الأصوات العالية، ويُقال لك إن الحقيقة نسبيّة، وإنّ الصدق يُضعفك، وإن الضمير وهمٌ شاعريّ تجاوزه الزمن. لا تصدقهم. فلو كان الضمير وهمًا، لما خافوا منه إلى هذا الحد. ولو كانت الكلمة الصادقة بلا أثر، لما سجنوا الشعراء، ولا أحرقوا الكتب، ولا أسكتوا الصحف.
ما دام ضميرك صاحي ومعك، اكتب، لأن الكتابة بضمير ليست فقط مقاومة، بل صلاة. والصلاة التي تخرج من القلب، تصل… دائمًا تصل
رانية مرجية - تلفون 7077060-054
11/06/2025 09:03 am 33