كنوز نت - بقلم الكاتب الفنان: سليم السعدي



الفيتو: أداة الطغيان المقونن في مجلس الأمن
  • بقلم الكاتب الفنان: سليم السعدي
منذ نشأة ما يُعرف بالنظام الدولي الحديث، وتحديدًا بعد الحرب العالمية الثانية، أُسّس مجلس الأمن ليكون – وفقًا للخطاب الرسمي – ضامنًا للسلم والأمن العالميين. لكن الحقيقة التي يكتشفها كل من ينظر بعمق، أن هذا المجلس ليس إلا ذراعًا لقوى الهيمنة العالمية، وأن حق النقض (الفيتو) هو قيد حديدي وُضع في عنق العدالة ليمنعها من التحرك كلما اصطدمت مصالح الكبار بإرادة الشعوب
خمس دول فقط تمتلك هذا الحق المطلق: الولايات المتحدة، روسيا، الصين، بريطانيا، وفرنسا. خمس قوى استعمارية، كان لها الدور الأبرز في تقاسم العالم ونهب موارده، أصبحت تحتكر القرار الأممي وتقرر من هو الضحية ومن هو المعتدي. أي عدالة هذه التي تُعطى لمستعمر تاريخي حق تعطيل قرارات إدانة احتلال؟ أي منطق يقبل أن تملك دولة واحدة وحدها حق نسف إجماع عالمي بأكمله؟
الولايات المتحدة، على سبيل المثال، استخدمت الفيتو عشرات المرات لحماية "إسرائيل" من المساءلة، رغم توثيق جرائمها بالصوت والصورة. ليست المسألة مجرد دعم لحليف، بل حماية لمشروع استعماري مزروع في قلب الأمة العربية، جزء من منظومة أكبر تهدف لتفتيت المنطقة وإبقاء شعوبها ضعيفة ومقسّمة
ومن ينظر إلى سجل استخدام الفيتو يجد أنه لم يُستخدم إلا لإجهاض قرارات كان يمكن لها أن ترد المظالم أو تردع المعتدين. لم يُستخدم الفيتو لحماية المضطهدين، بل لحماية أنظمة البطش ومصانع السلاح ومشاريع النهب. لقد صار أداة لتعطيل إرادة الشعوب، ووسيلة لضمان استمرار هيمنة الكبار على صراعات الصغار

هذا الاستخدام الاستعلائية للفيتو لا يمكن فصله عن السياق الأوسع، حيث تدار السياسة العالمية بمنطق ربحي احتكاري. فالحروب تُشعل عند الحاجة، والسلام يُفرض حين يخدم الأسواق. الشعوب تُجوع كي تُخضع، والأنظمة تُدعم لا لشرعيتها، بل لولائها
ما يجري ليس عجزًا في منظومة، بل تصميمٌ مُسبق لمنع أي تحوّل حقيقي. ومن يقف خلف هذا التصميم ليس سوى نخبة دولية تعيد إنتاج السيطرة بأدوات حديثة: إعلام، مؤسسات مالية، قوانين دولية تنتقي من تُدينهم ومن تُبرئهم
إن استمرار العمل بنظام الفيتو هو استمرار لنظام الظلم العالمي. وإن كان العالم يسير حقًا نحو قيم إنسانية جامعة، فلا بد أن يُنتزع هذا السلاح من يد القوي، وتُعاد الكلمة للشعوب، لا للخمسة الكبار الذين صنعوا الخراب ثم احتكروا صلاحية التبرير
لا نحتاج إلى نظريات مؤامرة لفهم ما يجري. الواقع وحده يصرخ بالحقيقة: أن العالم يُدار وفق ما أراده "كبيرهم"، ذاك الذي تخلّى عن ضميره واستبدل العدل بالهيمنة، والحق بالمصالح، والكرامة بالقوة. وقد آن أوان أن ننزع الأقنعة عن هذه المنظومة، ونسمي الأشياء بأسمائها: الفيتو ليس أداة سلام، بل رخصة قتل... مُوقعة باسم القانون .
الفيتو... أداة استعمار حديثة لتعطيل العدالة الدولية
منذ تأسيس مجلس الأمن، وُضع حق النقض (الفيتو) بيد القوى المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، ليس لضمان السلام، بل لضمان مصالح تلك القوى في الهيمنة على القرار الدولي. خمس دول فقط تملك هذا الحق، وكل واحدة منها استخدمته أو هدّدت باستخدامه لتعطيل قرارات كانت تصبّ في مصلحة الشعوب المستضعفة، وعلى رأسها الشعب الفلسطيني
الفيتو لم يكن يومًا أداة للعدالة، بل سلاحًا لتعطيلها. حينما تتحدث شعوب الجنوب العالمي عن الاحتلال، الاستعمار، التمييز، والحصار، يصمت العالم لأن "سيد الفيتو" قرر أن تلك المعاناة لا تستحق أن تُناقش أو تُدان
ولعلّ التاريخ نفسه يكشف أن من يقف خلف منظومة السيطرة هذه، هم ذاتهم من أشعلوا حربين عالميتين، ومن حوّلوا النظام العالمي إلى شبكة مصالح، ووسائل إعلام موجهة، ومؤسسات تتزين بالشرعية لكنها عاجزة أو متواطئة
ما يجري ليس مجرد سوء إدارة... بل منظومة خططت بعناية لإخضاع الشعوب، وتحويل العالم إلى حظيرة تدار بإرادة النخبة، لا إرادة الإنسان الحر