كنوز نت - بقلم: رانية مرجية



ثلاث نكبات في يوم واحد
بقلم: رانية مرجية
في بلادٍ تعيش نكبتها يوميًا بثلاث لهجات: لهجة الداخل الفلسطيني، ولهجة الضفة الغربية، ولهجة غزة العظمى… بدأ اليوم كما ينتهي عادةً: بلا كهرباء، بلا أمل، وبكثير من التصريحات.
أولًا: الداخل الفلسطيني – حيث المواطن “عربي لكن مش كتير”
الحدث الأبرز في الداخل الفلسطيني اليوم لم يكن مظاهرة، ولا اعتقال، بل اجتماع بلدية أم الفحم لتقرير إن كان يجوز تعليق العلم الفلسطيني في “ساحة عامة”!
القرار النهائي؟ يجوز تعليقه بين الساعتين الثالثة والرابعة فجرًا، بشرط أن لا يكون العلم أكبر من كفّ يد، وأن لا يراه أحد غير موظف الصيانة.
وفي كفر قاسم، تم توقيف شاب لأنه ابتسم بثقة زائدة عند حاجز شرطي. الشبهات؟ “النية المبيتة للتحريض على الأمل”.
أما الأحزاب العربية؟ فهي لا تزال منهمكة في نقاشات “استراتيجية” على تطبيق زوم، يصرّ أحدهم أن الحل هو العودة للجماهير، بينما الآخر يرى أن الحل في العودة إلى أوسلو، والثالث يعتقد أن الحل هو في العودة إلى الله، لكنهم جميعًا متفقون على بند واحد:
لا أحد يعود إلى ضميره.
ثانيًا: الضفة الغربية – جمهورية التصاريح العظمى
اليوم في رام الله، تم افتتاح مهرجان وطني للتراث والهوية، برعاية مؤسسة ممولة من الاتحاد الأوروبي، وبحضور ضيوف أجانب لا يعرفون الفرق بين نابلس ونابل. في المهرجان، رقص الأطفال الدحية على منصة محاصرة بالجدران، بينما الجرافات الإسرائيلية تبتلع الأرض خلف الستار.
في جنين، الاحتلال اقتحم المخيم فجرًا. والسلطة أصدرت بيانًا “تدين فيه بشدة اقتحام المخيم”، وأكدت أنها “تُجري اتصالات على أعلى المستويات”… على واتساب.
وفي نابلس، أقيمت ندوة بعنوان: سبل بناء اقتصاد مقاوم… بينما المدعوون يركنون سياراتهم التويوتا المصفحة أمام الفندق.
ثالثًا: غزة – حيث ينتهي العالم قبل أن يبدأ
في غزة، أعلنت شركة الكهرباء أنها ستزيد عدد ساعات التيار… لكن في أحلام المواطنين فقط.
أما المعابر، فمفتوحة دومًا، بشرط أن يكون الخارج منها هو الأوكسجين.
اليوم تحديدًا، أعلن مسؤول أن إعادة الإعمار “تسير بوتيرة جيدة”، ولم يوضح أن هذه الوتيرة هي خطوة كل عامين.
فيما أقيم مؤتمر صحفي مشترك بين فصائل المقاومة، أعلنوا فيه عن موقف موحد من الأوضاع الراهنة: “نحن نراقب”.
أما الناس، فراقبوا بدورهم شاشة التلفاز… إلى أن انقطعت الكهرباء.
خلاصة المشهد
في الداخل الفلسطيني يُمنع الفلسطيني من أن يكون فلسطينيًا،
في الضفة يُسمح له أن يكون فلسطينيًا لكن بموافقة منسق الاحتلال،
وفي غزة… الفلسطيني فلسطيني لدرجة أنه لا يملك شيئًا سواه.
أحداث اليوم؟
عادي. الاحتلال يمضي، الانقسام يتمدد، والناس تحلم بالكهرباء أكثر من حلمها بالحرية.
لكننا سنظل نكتب، لا لنحرر الأرض، بل لنحرر عقولنا من هذا العبث اليومي…
فالحبر آخر ما تبقى لنا من ماء الوجه