
كنوز نت - بقلم الكاتب الفنان : سليم السعدي
نار بلا عقاب: من يدعم المستوطنين في حرق بيوت الفلسطينيين؟
بقلم الكاتب الفنان : سليم السعدي
في كل مرة تشتعل فيها النيران في بيت فلسطيني، وفي كل مرة تُحرق مزرعة أو تُقتل عائلة أثناء نومها، تتكرر الأسئلة ذاتها: من يشعل النار؟ ومن يموّل البنزين؟ ومن يغطي المجرم إن لم يكن يصفق له؟ وفي قلب هذا المشهد المظلم، تظهر الحقيقة المؤلمة: المستوطنون لا يحرقون وحدهم، بل هناك منظومة كاملة تشعل النار وتبررها وتحميها.
الحماية الرسمية: جيش يراقب ولا يتدخل
لا يمكن الحديث عن اعتداءات المستوطنين دون ذكر الجيش الإسرائيلي، الذي يفترض به – وفق القانون الدولي – أن يكون قوة احتلال مسؤولة عن حماية المدنيين الواقعين تحت سلطته. لكن الواقع يُظهر عكس ذلك. فغالبًا ما يتواجد الجنود خلال اعتداءات المستوطنين على القرى الفلسطينية دون أن يتدخلوا، وأحيانًا يشاركون في منع الأهالي من الدفاع عن أنفسهم أو حتى من إطفاء النيران. أما المعتدون، فإما يُتركون أحرارًا أو يُعتقلون مؤقتًا ثم يُطلق سراحهم دون محاكمة جدية.
دعم سياسي متطرف: عندما يصبح الحارق وزيرًا
تضم الحكومة الإسرائيلية الحالية وجوهًا من المستوطنين أنفسهم، أو من أنصارهم الأكثر تطرفًا. شخصيات مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش لم تُخفِ يومًا تأييدها للمستوطنات، بل دعت في تصريحات علنية إلى طرد الفلسطينيين و"إزالة القرى غير القانونية" – في إشارة إلى قرى فلسطينية قائمة منذ قرون.
حين يُكلّف هؤلاء بإدارة الأمن أو المالية أو شؤون الأراضي، فإنهم لا يشرّعون الحرق فقط، بل يغطونه بالقانون، ويحولونه من جريمة إلى سياسة.
الأيديولوجيا: نار تُشعلها الفتاوى
خلف هذا العنف يقف خطاب ديني-قومي متطرف يروّج لفكرة "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"، ويعتبر كل فلسطيني غريبًا في بلاده. حاخامات ومؤسسات دينية في المستوطنات أصدروا فتاوى تُبيح حرق ممتلكات الفلسطينيين، بل وتُشجع على قتلهم بحجج دينية. هذا التطرف الديني لا يُدين من قبل الدولة، بل يُكافأ أحيانًا بتمويل رسمي أو حماية قانونية.
تمويل خارجي: نار تدفّقها الدولارات
لا تأتي هذه النار من فراغ، بل يغذيها تمويل كبير من منظمات يهودية في الولايات المتحدة وكندا وأوروبا، والتي تدعم مشاريع استيطانية تحت عناوين إنسانية أو دينية. هذه الأموال تُستخدم لبناء مستوطنات، وتطوير "مزارع رعوية" تُقام في أراضٍ فلسطينية خاصة، وتصل أحيانًا – بشكل مباشر أو غير مباشر – إلى المجموعات المتطرفة مثل "تاغ مخير" و"شبيبة التلال"، التي نفذت عشرات الجرائم ضد الفلسطينيين، بما فيها الحرق العمد والقتل.
الصمت الدولي: شرعية بغياب العقاب
ما كان لهذا العنف أن يستمر لولا الصمت الدولي. الإدانات الخجولة لا تُعيد بيتًا احترق، ولا تحمي طفلًا يُطارد على أطراف قرية. الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي يكتفيان بـ"القلق"، بينما تواصل الولايات المتحدة تقديم الدعم العسكري والسياسي غير المشروط لإسرائيل، دون ربطه بأي مساءلة حقوقية.
في الختام:
حرق البيوت ليس فعلًا فرديًا عابرًا، بل جزء من مشروع متكامل لاقتلاع الإنسان الفلسطيني من أرضه. والمستوطن الذي يُشعل النار، ليس وحده في الجريمة. خلفه تقف حكومة تُبرر، وجيش يُحمي، وحاخام يُبارك، ومنظمة تُموّل، وعالم يُصمت.
إن وقف هذه الجرائم لا يكون بالندب على الرماد، بل بتعرية النظام الذي ينتجها، ومحاسبة كل من يشارك فيها – من الفاعل إلى المشرّع، ومن الممول إلى الصامت.
05/06/2025 08:25 am 59