كنوز نت - بقلم: سليم السعدي

"رصاصة حقد انطلقت، وما حد قدر يغمدها"

  • بقلم: سليم السعدي




رصاصة حقد انطلقت، وما حد قدر يغمدها

بقلم: سليم السعدي

رصاصة الحقد انطلقت، ما انطلقت من بندقية، بل من عقلٍ تجرد من الإنسانية، من قلبٍ لم يعرف الرحمة، من تاريخٍ مشوهٍ كُتب بالحبر والدم معًا. رصاصة انطلقت منذ وعد بلفور، ومنذ سُلمت الأرض لأعداء الحياة، ومنذ صار الكذب وعدًا، والاحتلال "دولة"، والمجازر "حق دفاع عن النفس". انطلقت تلك الرصاصة وما زالت تقتنص كل ما هو حيّ في فلسطين، من إنسانٍ وأرضٍ وذاكرة.


نحن نعيش اليوم في زمنٍ غريب، زمنٍ انقلبت فيه الحقائق، واختلطت فيه الألوان. صار فيه المؤمنُ متهماً، والمجاهدُ إرهابياً، والشهيدُ مجرمًا، بينما القاتل يتوشّح بالنياشين، ويُستقبل في عواصم العالم بالأحضان. في هذا الزمن، نرى شعوبًا من أقاصي الأرض، من اليابان وأمريكا اللاتينية، تخرج في مظاهرات تندد بالعدوان، وترفع علم فلسطين. شعوبٌ لا تتكلم العربية، ولا تصلي صلاتنا، لكنها تشاركنا وجعنا، وتنصر دمعتنا، وتصرخ من أجل طفلٍ دُفن تحت الركام في رفح أو جباليا أو غزة المدينة.

بالأمس، رأينا النقب ينتفض، بئر السبع تزأر، والناس تصرخ: "الله أكبر"، "لا للهدم، لا للتهجير، لا لطمس الهوية". هناك في الداخل، داخل ما يسمى بالخط الأخضر، حيث الفلسطيني مطارد بهويته، وبيته، ورغيف خبزه، هناك من وقف وقال: لن نكون ضحايا بصمت، لن نسكت على سياسة هدم البيوت ولا على تهويد المكان والذاكرة.

لكن، حين نلتفت إلى أمتنا العربية، نبحث عن الموقف فلا نرى إلا الفراغ. كأن الأمة أصابها الخرس، أو شُلّت يدها، أو سُحبت من تحتها آخر معاني العروبة والدين. أين هم؟ أين أولئك الذين كانوا يصرخون "بالروح بالدم"؟ اليوم، بالكاد يهمسون. صمتهم أثقل من الرصاص، وأبشع من العدوان، لأن العدو معروف، أما خيانة القريب فهي الطعنة التي لا تلتئم.

في شوارع العواصم العربية، الحياة مستمرة كأن شيئًا لا يحدث. لا مسيرة، لا بيان، لا وقفة تضامن. يخاف الناس من المخابرات أكثر مما يخافون من الله، يخشون الاعتقال لأجل تغريدة، بينما أطفال فلسطين يُعتقلون بلا تهمة، ويُقتلون بلا محاكمة.

يا سادتي، لسنا شعبًا يطلب الشفقة، ولسنا قومًا ينتظرون الإحسان. نحن شعبٌ صلب، اعتاد أن يعيش بين الركام، وأن يبني من الدمار أملاً. لكن ما نطلبه منكم هو أن تكونوا كما عهدناكم، أن لا تنسونا، أن لا تبيعوا قضيتنا في سوق السياسة الرخيص، أن لا تقولوا لنا "هذا قدركم" ثم تلتفتوا إلى أخبار الرياضة والدراما والمسلسلات.

رصاصة الحقد ما زالت تحوم، تخترق بيتًا في جنين، وحلمًا في الخليل، وقبرًا في نابلس، وتاريخًا في القدس. لكنها في نهاية المطاف، لن تكون أبدية. لأن الحق، وإن تأخر، لا يموت. لأن الطفل الذي ينمو في المخيم، يكبر وفي قلبه فلسطين، وفي عينيه صورة الشهداء، وفي يده حجرٌ أقوى من الدبابات.

صوتنا أعلى من الصمت، وجرحنا أنبل من خنوع العالم. وستبقى رصاصتكم طائشة، مهما أصابتنا، لأنها لا تملك مستقبلًا، أما نحن، فرغم الجراح، نملك وطنًا من نور لا يمكن أن يُغمد.